للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا أولى بالدخول، والله أعلم، وقوله تعالى ﴿وَلِلّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي ف ﴿أَنْفِقُوا مِمّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد: ٧] فإن الأمور كلها مرجعها إلى الله ﷿. فقدموا من أموالكم ما ينفعكم يوم معادكم ﴿وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ أي بنياتكم وضمائركم.

[[سورة آل عمران (٣): الآيات ١٨١ إلى ١٨٤]]

﴿لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٢) الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٨٣) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (١٨٤)

قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: لما نزل قوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً﴾ [البقرة: ٢٤٥] قالت اليهود: يا محمد، افتقر ربك فسأل عباده القرض؟ فأنزل الله ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ﴾ الآية، رواه ابن مردويه وابن أبي حاتم.

وقال محمد بن إسحاق (١): حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أنه حدثه عن ابن عباس ، قال: دخل أبو بكر الصديق بيت المدارس (٢) فوجد من يهود ناسا كثيرة قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حبر يقال له أشيع، فقال له أبو بكر: ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله قد جاءكم بالحق من عنده، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل.

فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة من فقر، وإنه إلينا لفقير، ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويعطيناه، ولو كان غنيا ما أعطانا الربا، فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربا شديدا، وقال: والذي نفسي بيده لولا الذي بيننا وبينكم من العهد لضربت عنقك يا عدو الله، فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين. فذهب فنحاص إلى رسول الله ، فقال: يا محمد أبصر ما صنع بي صاحبك، فقال رسول الله لأبي بكر: «ما حملك على ما صنعت؟» فقال: يا رسول الله، إن عدو الله قد قال قولا عظيما، زعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء، فلما قال ذلك، غضبت لله مما قال، فضربت وجهه، فجحد فنحاص ذلك، وقال:

ما قلت ذلك، فأنزل الله فيما قال فنحاص ردا عليه وتصديقا لأبي بكر ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ﴾


(١) سيرة ابن هشام ١/ ٥٥٨.
(٢) بيت المدارس: هو البيت الذي يتدارس فيه اليهود كتابهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>