للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هي تهتز كأنها جان، وهو أسرع الحيات حركة، ولكنه صغير، فهذه في غاية الكبر وفي غاية سرعة الحركة، ﴿تَسْعى﴾ أي تمشي وتضطرب. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن عبدة، حدثنا حفص بن جميع، حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس ﴿فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى﴾ ولم تكن قبل ذلك حية، فمرت بشجرة فأكلتها، ومرت بصخرة فابتلعتها، فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفها فولى مدبرا، ونودي: أن يا موسى خذها فلم يأخذها، ثم نودي الثانية: أن خذها ولا تخف، فقيل له في الثالثة: إنك من الآمنين، فأخذها.

وقال وهب بن منبه في قوله: ﴿فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى﴾ قال فألقاها على وجه الأرض ثم حانت منه نظرة فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون فدب يلتمس كأنه يبتغي شيئا يريد أخذه، يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيلتقمها، ويطعن بالناب من أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها، عيناه توقدان نارا، وقد عاد المحجن منها عرفا، قيل: شعره مثل النيازك، وعاد الشعبتان منها مثل القليب الواسع فيه أضراس وأنياب لها صريف، فلما عاين ذلك موسى ولى مدبرا ولم يعقب، فذهب حتى أمعن ورأى أنه قد أعجز الحية.

ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ثم نودي يا موسى أن ارجع حيث كنت فرجع موسى وهو شديد الخوف فقال: ﴿خُذْها﴾ بيمينك ﴿وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى﴾ وعلى موسى حينئذ مدرعة من صوف فدخلها بخلال من عيدان، فلما أمره بأخذها، أدلى طرف المدرعة على يده، فقال له ملك: أرأيت يا موسى لو أذن الله بما تحاذر أكانت المدرعة تغني عنك شيئا؟ قال: لا ولكني ضعيف، ومن ضعيف خلقت، فكشف عن يده ثم وضعها على فم الحية حتى سمع حسن الأضراس والأنياب، ثم قبض فإذا هي عصاه التي عهدها، وإذا يده في موضعها الذي كان يضعها إذا توكأ بين الشعبتين، ولهذا قال تعالى: ﴿سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى﴾ أي إلى حالها التي تعرف قبل ذلك.

[[سورة طه (٢٠): الآيات ٢٢ إلى ٣٥]]

﴿وَاُضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣) اِذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤) قالَ رَبِّ اِشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاُحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاِجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥)

وهذا برهان ثان لموسى ، وهو أن الله أمره أن يدخل يده في جيبه كما صرح به في الآية الأخرى، وهاهنا عبر عن ذلك بقوله: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ﴾ وقال في مكان آخر ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ﴾ [القصص: ٣٢] وقال مجاهد: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ﴾ كفه تحت عضدك، وذلك أن موسى كان إذا أدخل يده في جيبه ثم أخرجها، تخرج تتلألأ كأنها فلقة قمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>