للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ أي تجري في خلالها الأنهار من أنواع المشارب من لبن وعسل وخمر وماء غير آسن، وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وقوله ﴿ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ أضافه إليه ونسبه إليه ليدل على أنه عظيم، لأن العظيم الكريم لا يعطي إلا جزيلا كثيرا، كما قال الشاعر: [الخفيف] إن يعذّب يكن غراما وإن يعط … جزيلا فإنه لا يبالي (١)

وقوله تعالى: ﴿وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ﴾ أي عنده حسن الجزاء لمن عمل صالحا. قال ابن أبي حاتم: ذكر عن دحيم بن إبراهيم قال: قال الوليد بن مسلم، أخبرني حريز بن عثمان أن شداد بن أوس كان يقول: يا أيها الناس، لا تتهموا الله في قضائه، فإنه لا يبغي على مؤمن، فإذا أنزل بأحدكم شيء مما يحب، فليحمد الله، وإذا أنزل به شيء مما يكره، فليصبر وليحتسب، فإن الله عنده حسن الثواب.

[[سورة آل عمران (٣): الآيات ١٩٦ إلى ١٩٨]]

﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٩٧) لكِنِ الَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (١٩٨)

يقول تعالى: لا تنظروا إلى ما هؤلاء الكفار مترفون فيه من النعمة والغبطة والسرور، فعما قليل يزول هذا كله عنهم ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة، فإنما نمد لهم فيما هم فيه استدراجا، وجميع ما هم فيه ﴿مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ﴾ وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ﴾ [غافر: ٤]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ﴾ [يونس: ٦٩ - ٧٠]، وقال تعالى: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ﴾ [لقمان: ٢٤] وقال تعالى: ﴿فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً﴾ [الطارق: ١٧] أي قليلا، وقال تعالى: ﴿أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [القصص: ٦١] وهكذا لما ذكر حال الكفار في الدنيا وذكر أن مآلهم إلى النار، قال بعده ﴿لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ﴾.

وقال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن نصر، حدثنا أبو طاهر سهل بن عبد الله، أنبأنا هشام بن عمار، أنبأنا سعيد بن يحيى، أنبأنا عبيد الله بن الوليد الوصافي عن محارب بن دثار، عن


(١) الرواية المشهورة: «إن يعاقب». والبيت للأعشى في ديوانه ص ٥٩ ولسان العرب (غرم) ومقاييس اللغة ٤/ ٤١٩ وتاج العروس (غرم). والغرام: هو اللازم من العذاب والبلاء. وقال الزجاج: هو أشد العذاب في اللغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>