للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ (١)» وفي القرآن العظيم ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ﴾ [غافر: ١٦] فأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال تعالى:

﴿إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً﴾ [البقرة: ٢٤٧] ﴿وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ﴾ [الكهف: ٧٩] ﴿إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً﴾ [المائدة: ٢٠] وفي الصحيحين «مثل الملوك على الأسرة».

والدين الجزاء والحساب كما قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ﴾ [النور: ٢٥] وقال ﴿أَإِنّا لَمَدِينُونَ﴾ [الصافات: ٥٣] أي مجزيون محاسبون، وفي الحديث «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت» أي حاسب نفسه كما قال عمر : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ﴾. [الحاقة: ١٨].

[[سورة الفاتحة (١): آية ٥]]

﴿إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)

قرأ السبعة والجمهور بتشديد الياء من إياك وقرأ عمرو بن فائد بتخفيفها مع كسر الهمزة وهي قراءة شاذة مردودة لأن إيا: ضوء الشمس (٢)، وقرأ بعضهم أياك بفتح الهمزة وتشديد الياء، وقرأ بعضهم هياك بالهاء بدل الهمزة كما قال الشاعر: [الطويل] فهياكو الأمر الذي إن توسّعت … موارده ضاقت عليك مصادره (٣)

ونستعين بفتح النون أول الكلمة في قراءة الجميع سوى يحيى بن وثاب والأعمش فإنهما كسراها وهي لغة بني أسد وربيعة وبني تميم، والعبادة في اللغة من الذلة يقال طريق معبد وبعير معبد أي مذلل، وفي الشرع: عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف. وقدم المفعول وهو إياك وكرر للاهتمام والحصر أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك وهذا هو كمال الطاعة، والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين، وهذا كما قال بعض السلف: الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة ﴿إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ فالأول تبرؤ من الشرك، والثاني تبرؤ من الحول


(١) أخرجه مسلم (منافقين، حديث ٢٤) وأبو داود (سنة، باب ١٩) وابن ماجة (مقدمة، باب ١٣؛ وزهد، باب ٣٣) وأحمد في المسند (ج ٣ ص ٣٠٩)
(٢) في لسان العرب (أيا): إيا الشمس وأياؤها: نورها وضوؤها وحسنها. وكذلك إياتها وأياتها، وجمعها آياء وإياء كأكمة وإكام. وأنشد الكسائي: سقته إياة الشمس إلا لثاته أسفّ ولم تكدم عليه بإثمد والشاهد في القرطبي ١/ ١٤٦.
(٣) البيت لمضرس بن ربعي في شرح شواهد الشافية ص ٤٧٦؛ ولطفيل الغنوي أو لمضرس في ديوان طفيل ص ١٠٢؛ وبلا نسبة في الإنصاف ١/ ٢١٥؛ وسر صناعة الإعراب ٢/ ٥٥٢؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١١٥٢؛ وشرح شافية ابن الحاجب ٣/ ٢٢٣؛ وشرح المفصل ٨/ ١١٨؛ ولسان العرب (هيا، أيا)؛ والمحتسب (١/ ٤٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>