للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنجران.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدشتكي، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه، عن الربيع هو ابن أنس في قوله تعالى: ﴿قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ﴾ قال:

سمعنا أنهم كانوا قوما في زمان الفترة، فلما رأوا ما وقع في الناس من الفتنة والشر وصاروا أحزابا ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: ٣٢]، اعتزلوا إلى قرية سكنوها وأقاموا على عبادة الله ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ﴾ [البينة: ٥]، فكان هذا أمرهم حتى سمع بهم جبار من الجبارين وحدث حديثهم فأرسل إليهم فأمرهم أن يعبدوا الأوثان التي اتخذوا، وأنهم أبوا عليه كلهم وقالوا لا نعبد إلا الله وحده لا شريك له، فقال لهم: إن لم تعبدوا هذه الآلهة التي عبدت فإني قاتلكم، فأبوا عليه فخد أخدودا من نار وقال لهم الجبار ووقفهم عليها: اختاروا هذه أو الذي نحن فيه، فقالوا: هذه أحب إلينا، وفيهم نساء وذرية ففزعت الذرية، فقالوا لهم أي آباؤهم لا نار من بعد اليوم فوقعوا فيها، فقبضت أرواحهم من قبل أن يمسهم حرها وخرجت النار من مكانها فأحاطت بالجبارين فأحرقهم الله بها ففي ذلك أنزل الله ﷿: ﴿قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النّارِ ذاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ ورواه ابن جرير (١): حدثت عن عمار عن عبد الله بن أبي جعفر به نحوه.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ﴾ أي حرقوا، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وابن أبزى ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾ أي لم يقلعوا عما فعلوا ويندموا على ما أسلفوا ﴿فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ﴾ وذلك أن الجزاء من جنس العمل، قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا الكرم والجود قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة.

[[سورة البروج (٨٥): الآيات ١١ إلى ٢٢]]

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)

يخبر تعالى عن عباده المؤمنين أن ﴿لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ بخلاف ما أعد لأعدائه من الحريق والجحيم، ولهذا قال: ﴿ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾ ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ أي إن بطشه وانتقامه من أعدائه الذين كذبوا رسله وخالفوا أمره لشديد عظيم قوي، فإنه تعالى ذو القوة المتين الذي ما شاء كان كما يشاء في مثل لمح البصر أو هو أقرب، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾ أي من قوته وقدرته التامة يبدئ الخلق ويعيده كما


(١) تفسير الطبري ١٢/ ٥٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>