للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينهم يوم المعاد، ويفصل بينهم بقضائه العدل، الذي لا يجور فيه ولا يظلم مثقال ذرة، وهذه الآية كقوله تعالى في سورة الحج: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [الحج:١٧]، وكما قال تعالى: ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتّاحُ الْعَلِيمُ﴾ [سبأ:٢٦].

[[سورة البقرة (٢): آية ١١٤]]

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اِسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١٤)

اختلف المفسرون في المراد من الذين منعوا مساجد الله وسعوا في خرابها، على قولين:

أحدهما ما رواه العوفي في تفسيره عن ابن عباس، في قوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ قال: هم النصارى وقال مجاهد: هم النصارى كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ويمنعون الناس أن يصلوا فيه، وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله:

﴿وَسَعى فِي خَرابِها﴾. قال هو بختنصر وأصحابه، خرب بيت المقدس، وأعانه على ذلك النصارى. وقال سعيد عن قتادة: قال أولئك أعداء الله، النصارى حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس، وقال السدي: كانوا ظاهروا بختنصر على خراب بيت المقدس، حتى خربه وأمر أن تطرح فيه الجيف، وإنما أعانه الروم على خرابه، من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا، وروي نحوه عن الحسن البصري، (القول الثاني)، ما رواه ابن جرير (١): حدثني يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها﴾، قال: هؤلاء المشركون الذين حالوا بين رسول الله يوم الحديبية، وبين أن يدخلوا مكة، حتى نحر هديه بذي طوى، وهادنهم وقال لهم: «ما كان أحد يصد عن هذا البيت، وقد كان الرجل، يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يصده» فقالوا: لا يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر وفينا باق. وفي قوله:

﴿وَسَعى فِي خَرابِها﴾ قال: إذا قطعوا من يعمرها بذكره ويأتيها للحج والعمرة.

وقال ابن أبي حاتم ذكر عن سلمة قال: قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس، أن قريشا منعوا النبي الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام، فأنزل الله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾، ثم اختار ابن جرير القول الأول (٢)، واحتج بأن قريشا لم تسع في خراب الكعبة، وأما الروم فسعوا في تخريب بيت المقدس.


(١) تفسير الطبري ١/ ٥٤٦. والوجوه السابقة عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدّي كلها ذكرها ابن جرير.
(٢) أي أن النصارى هم الذين أعانوا بختنصر على ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>