للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأحقاف: ٩] الآية. وقوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْقُرى﴾ المراد بالقرى المدن لا أنهم من أهل البوادي الذين هم من أجفى الناس طباعا وأخلاقا، وهذا هو المعهود المعروف أن أهل المدن أرق طباعا وألطف من أهل سوادهم، وأهل الريف والسواد أقرب حالا من الذين يسكنون في البوادي، ولهذا قال تعالى: ﴿الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً﴾ الآية.

وقال قتادة في قوله ﴿مِنْ أَهْلِ الْقُرى﴾ لأنهم أعلم وأحلم من أهل العمور. وفي الحديث الآخر أن رجلا من الأعراب أهدى لرسول الله ناقة فلم يزل يعطيه ويزيده حتى رضي، فقال رسول الله : «لقد هممت أن لا أتهب هبة إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي» (١).

وقال الإمام أحمد (٢): حدثنا حجاج، حدثنا شعبة عن الأعمش عن يحيى بن وثاب، عن شيخ من أصحاب رسول الله قال الأعمش: هو ابن عمر، عن النبي أنه قال: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم.

وقوله: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ يعني هؤلاء المكذبين لك يا محمد في الأرض ﴿فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي من الأمم المكذبة للرسل، كيف دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها، كقوله: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها﴾ [الحج:٤٦] الآية، فإذا استمعوا خبر ذلك رأوا أن الله قد أهلك الكافرين ونجى المؤمنين، وهذه كانت سنته تعالى في خلقه، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ أي وكما نجينا المؤمنين في الدنيا كذلك كتبنا لهم النجاة في الدار الآخرة وهي خير لهم من الدنيا بكثير، كقوله: ﴿إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ﴾ [غافر: ٤٠ - ٤١] وأضاف الدار إلى الآخرة، فقال:

﴿وَلَدارُ الْآخِرَةِ﴾ كما يقال: صلاة الأولى ومسجد الجامع، وعام أول، وبارحة الأولى، ويوم الخميس. وقال الشاعر: [الوافر] أتمدح فقعسا وتذم عبسا … ألا لله أمك من هجين (٣)

ولو أقوت عليك ديار عبس … عرفت الذل عرفان اليقين

[[سورة يوسف (١٢): آية ١١٠]]

﴿حَتّى إِذَا اِسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠)

يذكر تعالى أن نصره ينزل على رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله في أحوج الأوقات إليه، كقوله تعالى: ﴿وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ﴾


(١) أخرجه أحمد في المسند ١/ ٢٩٥، ٢/ ٢٤٧.
(٢) المسند ٢/ ٤٣، ٥/ ٣٦٥.
(٣) البيتان بلا نسبة في تفسير الطبري ٧/ ٣١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>