للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالوا: أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّا قَدِمْنَا لِلْمِيرَةِ، قَالَ: فَلَعَلَّكُمْ عُيُونٌ؟ قَالُوا: مَعَاذَ اللَّهِ. قَالَ: فَمَنْ أَيْنَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا مِنْ بِلَادِ كَنْعَانَ، وَأَبُونَا يَعْقُوبُ نَبِيُّ اللَّهِ. قَالَ: وَلَهُ أَوْلَادٌ غَيْرُكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ كُنَّا اثْنَى عَشَرَ، فَذَهَبَ أَصْغَرُنَا، هَلَكَ فِي الْبَرِّيَّةِ وَكَانَ أَحَبَّنَا إِلَى أَبِيهِ، وَبَقِيَ شَقِيقُهُ فَاحْتَبَسَهُ أَبُوهُ لِيَتَسَلَّى بِهِ عَنْهُ، فَأَمْرٌ بإنزالهم وإكرامهم.

وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ أي أوفى لهم كَيْلَهُمْ، وَحَمَّلَ لَهُمْ أَحْمَالَهُمْ، قَالَ: ائْتُونِي بِأَخِيكُمْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمْ لِأَعْلَمَ صِدْقَكُمْ فِيمَا ذَكَرْتُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ رغبهم فِي الرُّجُوعِ إِلَيْهِ، ثُمَّ رَهَّبَهُمْ فَقَالَ: فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي الآية، أَيْ إِنْ لَمْ تَقْدَمُوا بِهِ مَعَكُمْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَلَيْسَ لَكُمْ عِنْدِي مِيرَةٌ، وَلا تَقْرَبُونِ قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ أَيْ سَنَحْرِصُ عَلَى مَجِيئِهِ إِلَيْكَ بِكُلِّ مُمْكِنٍ، وَلَا نُبْقِي مَجْهُودًا لِتَعْلَمَ صِدْقَنَا فِيمَا قُلْنَاهُ، وَذَكَرَ السُّدِّيُّ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمْ رَهَائِنَ حَتَّى يَقْدُمُوا بِهِ مَعَهُمْ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَرَغَّبَهُمْ كَثِيرًا، وَهَذَا لِحِرْصِهِ عَلَى رُجُوعِهِمْ.

وَقالَ لِفِتْيانِهِ أَيْ غِلْمَانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ أي الَّتِي قَدِمُوا بِهَا لِيَمْتَارُوا عِوَضًا عَنْهَا فِي رِحالِهِمْ أَيْ فِي أَمْتِعَتِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ بِهَا، قِيلَ: خَشِيَ يُوسُفُ عليه السلام أن لا يَكُونَ عِنْدَهُمْ بِضَاعَةٌ أُخْرَى يَرْجِعُونَ لِلْمِيرَةِ بِهَا. وَقِيلَ: تَذَمَّمَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ عِوَضًا عَنِ الطَّعَامِ، وَقِيلَ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُمْ إِذَا وَجَدُوهَا فِي مَتَاعِهِمْ تَحَرُّجًا وَتَوَرُّعًا، لِأَنَّهُ يعلم ذلك منهم والله أعلم.

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]

فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يَا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤)

يقول الله تَعَالَى عَنْهُمْ: إِنَّهُمْ رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قالُوا يَا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ يَعْنُونَ بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ، إِنْ لَمْ تُرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا بنيامين لا نكتل، فأرسله معنا نكتل، وإنا له لحافظون، قرأ بعضهم بِالْيَاءِ أَيْ يَكْتَلُ هُوَ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ أَيْ لَا تَخَفْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ سَيَرْجِعُ إِلَيْكَ، وَهَذَا كَمَا قَالُوا لَهُ فِي يُوسُفَ أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ وَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ أَيْ هَلْ أَنْتُمْ صَانِعُونَ بِهِ إِلَّا كَمَا صَنَعْتُمْ بِأَخِيهِ مِنْ قَبْلُ، تُغَيِّبُونَهُ عَنِّي، وَتَحُولُونَ بَيْنِي وبينه؟ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وقرأ بعضهم حفظا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أَيْ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ بِي، وَسَيَرْحَمُ كِبَرِي وَضَعْفِي وَوَجْدِي بِوَلَدِي، وَأَرْجُو مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيَّ وَيَجْمَعَ شَمْلِي به، إنه أرحم الراحمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>