للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَمَا نَعْلَمُ فِي أَيِّ شَيْءٍ نَزَلَتْ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ قُلْنَا مَنْ نُخَاصِمُ؟ لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ خُصُومَةٌ فَمَنْ نُخَاصِمُ؟ حَتَّى وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ فقال ابن عمر رضي الله عنهما: هَذَا الَّذِي وَعَدَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ نَخْتَصِمُ فِيهِ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو العالية في قوله تبارك وتعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ قَالَ: يَعْنِي أَهْلَ الْقِبْلَةِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَأَهْلَ الْكُفْرِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أن الصحيح العموم والله سبحانه وتعالى أعلم.

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٣٢ الى ٣٥]

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٣٢) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٥)

يقول عز وجل مخاطبا المشركين الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ وَجَعَلُوا مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى وَادَّعَوْا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ وَجَعَلُوا لِلَّهِ وَلَدًا تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَمَعَ هَذَا كَذَّبُوا بِالْحَقِّ إِذْ جَاءَهُمْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عليهم أجمعين ولهذا قال عز وجل: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَيْ لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْ هَذَا لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ طَرَفَيِ الْبَاطِلِ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ رَسُولَ اللَّهِ قَالُوا الباطل وردوا الحق ولهذا قال جلت عظمته مُتَوَعِّدًا لَهُمْ: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ وهم الجاحدون المكذبون. ثم قال جل وعلا: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَابْنُ زَيْدٍ: الَّذِي جاء بالصدق هو الرسول صلى الله عليه وسلم وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَصَدَّقَ بِهِ يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «١» .

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس رضي الله عنهما وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ قَالَ: مَنْ جَاءَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَصَدَّقَ بِهِ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَأَ الرَّبِيعُ بن أنس والذين جَاءُوا بِالصِّدْقِ يَعْنِي الْأَنْبِيَاءَ وَصَدَّقُوا بِهِ يَعْنِي الْأَتْبَاعَ. وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ قَالَ: أَصْحَابُ الْقُرْآنِ الْمُؤْمِنُونَ يَجِيئُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ هَذَا مَا أَعْطَيْتُمُونَا فَعَمِلْنَا فِيهِ بِمَا أَمَرْتُمُونَا. وَهَذَا الْقَوْلُ عَنْ مُجَاهِدٍ يَشْمَلُ كُلَّ الْمُؤْمِنِينَ فإن المؤمنين يقولون الحق ويعملون بِهِ وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى النَّاسِ بِالدُّخُولِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ فَإِنَّهُ جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ وَآمَنَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمن بالله


(١) تفسير الطبري ١١/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>