وقد روى ابن جرير (١) هاهنا أثرا غريبا عجيبا من حديث شبيب بن بشر عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما خلق الله الملائكة قال: ﴿إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ﴾ قالوا: لا نفعل، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم، ثم خلق ملائكة أخرى فقال لهم مثل ذلك، فقالوا: لا نفعل، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم، ثم خلق ملائكة أخرى فقال: إني خالق بشرا من طين، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له فأبوا، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم، ثم خلق ملائكة فقال: إني خالق بشرا من طين، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له، قالوا:
سمعنا وأطعنا، إلا إبليس كان من الكافرين الأولين، وفي ثبوت هذا عنه بعد، والظاهر أنه إسرائيلي، والله أعلم.
يذكر تعالى أنه أمر إبليس أمرا كونيا لا يخالف ولا يمانع بالخروج من المنزلة التي كان فيها من الملأ الأعلى، وأنه رجيم أي مرجوم، وأنه قد أتبعه لعنة لا تزال متصلة به لاحقة له متواترة عليه إلى يوم القيامة. وعن سعيد بن جبير أنه قال: لما لعن الله إبليس، تغيرت صورته عن صورة الملائكة، ورن رنة، فكل رنة في الدنيا إلى يوم القيامة منها، رواه ابن أبي حاتم، وأنه لما تحقق الغضب الذي لا مرد له، سأل من تمام حسده لآدم وذريته النظرة إلى يوم القيامة، وهو يوم البعث، وأنه أجيب إلى ذلك استدراجا له وإمهالا، فلما تحقق النظرة قبحه الله.
يقول تعالى مخبرا عن إبليس وتمرده وعتوه أنه قال للرب: ﴿بِما أَغْوَيْتَنِي﴾ قال بعضهم:
أقسم بإغواء الله له. (قلت) ويحتمل أنه بسبب ما أغويتني وأضللتني ﴿لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ﴾ أي لذرية آدم ﵇ ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ أي أحبب إليهم المعاصي وأرغبهم فيها وأؤزهم إليها، وأزعجهم إليها إزعاجا ﴿وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي كما أغويتني وقدرت عليّ ذلك ﴿إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ كقوله: ﴿أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً﴾ [الإسراء: ٦٢].