للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تفسير سورة المنافقون]

وهي مدنية

﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾

[[سورة المنافقون (٦٣): الآيات ١ إلى ٤]]

﴿إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (١) اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٣) وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ (٤)

يقول تعالى مخبرا عن المنافقين أنهم إنما يتفوهون بالإسلام إذا جاءوا النبي ، فأما في باطن الأمر فليسوا كذلك بل على الضد من ذلك، ولهذا قال تعالى: ﴿إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ﴾ أي إذا حضروا عندك واجهوك بذلك، وأظهروا لك ذلك، وليسوا كما يقولون، ولهذا اعترض بجملة مخبرة أنه رسول الله فقال: ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ ثم قال تعالى: ﴿وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ﴾ أي فيما أخبروا به وإن كان مطابقا للخارج لأنهم لم يكونوا يعتقدون صحة ما يقولون ولا صدقه، ولهذا كذبهم بالنسبة إلى اعتقادهم.

وقوله تعالى: ﴿اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾ أي اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة والحلفات الآثمة ليصدقوا فيما يقولون، فاغتر بهم من لا يعرف جلية أمرهم، فاعتقدوا أنهم مسلمون، فربما اقتدى بهم فيما يفعلون وصدقهم فيما يقولون، وهم من شأنهم أنهم كانوا في الباطن لا يألون الإسلام وأهله خبالا، فحصل بهذا القدر ضرر كبير على كثير من الناس، ولهذا قال تعالى: ﴿فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ولهذا كان الضحاك بن مزاحم يقرؤها «اتخذوا إيمانهم جنة» أي تصديقهم الظاهر جنة أي تقية يتقون به القتل، والجمهور يقرؤها ﴿أَيْمانَهُمْ﴾ جمع يمين، وقوله تعالى: ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ﴾ أي إنما قدر عليهم النفاق لرجوعهم عن الإيمان إلى الكفران، واستبدالهم الضلالة بالهدى، فطبع الله ﴿عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ﴾. أي فلا يصل إلى قلوبهم هدى ولا يخلص إليها خير فلا تعي ولا تهتدي.

وقوله تعالى: ﴿وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ أي وكانوا أشكالا حسنة وذوي فصاحة وألسنة، وإذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم لبلاغتهم، وهم مع ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>