للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله ﷿. ولما ذكر الله تعالى النفر الأول (١) والثاني وهو تفرق الناس من موسم الحج إلى سائر الأقاليم والآفاق بعد اجتماعهم في المشاعر والموقف، قال ﴿وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ كما قال ﴿وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٩].

[[سورة البقرة (٢): الآيات ٢٠٤ إلى ٢٠٧]]

﴿وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤) وَإِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥) وَإِذا قِيلَ لَهُ اِتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (٢٠٦) وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧)

قال السدي: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، جاء إلى رسول الله ، وأظهر الإسلام وفي باطنه خلاف ذلك، وعن ابن عباس، أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعابوهم، فأنزل الله في ذم المنافقين ومدح خبيب وأصحابه ﴿وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ﴾ وقيل: بل ذلك عام في المنافقين كلهم وفي المؤمنين كلهم، وهذا قول قتادة ومجاهد والربيع بن أنس وغير واحد، وهو الصحيح.

وقال ابن جرير (٢): حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرني الليث بن سعد عن خالد بن أبي هلال، عن القرظي، عن نوف وهو البكالي وكان ممن يقرأ الكتب، قال: إني لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزل: قوم يحتالون على الدنيا بالدين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرّ من الصبر، يلبسون للناس [لباس] (٣) مسوك الضأن، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله تعالى: فعليّ يجترءون وبي يغترون، حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيها حيران، قال القرظي: تدبرتها في القرآن فإذا هم المنافقون فوجدتها ﴿وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ﴾ الآية (٤).

وحدثني (٥) محمد بن أبي معشر: أخبرني أبو معشر نجيح، قال: سمعت سعيدا المقبري يذاكر محمد بن كعب القرظي، فقال سعيد: إن في بعض الكتب: إن عبادا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، لبسوا للناس مسوك الضأن من اللين، يجترون الدنيا بالدين، قال الله تعالى، عليّ تجترئون وبي تغترون؟ وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران،


(١) النفر الأول هو اليوم الثاني من أيام التشريق، والنفر الثاني أو الآخر هو اليوم الثالث.
(٢) تفسير الطبري ٢/ ٣٢٥.
(٣) زيادة من الطبري. والمسوك: جمع مسك، وهو الجلد.
(٤) في رواية الطبري زيادة هنا، وهي: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ الحج: ١١.
(٥) تفسير الطبري ٢/ ٣٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>