على أستاههم وهم يقولون: حنطة في شعرة ﴿وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ أي وصيناهم بحفظ السبت والتزام ما حرم الله عليهم، ما دام مشروعا لهم ﴿وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً﴾ أي شديدا، فخالفوا وعصوا وتحيلوا على ارتكاب ما حرم الله ﷿، كما هو مبسوط في سورة الأعراف عند قوله: ﴿وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ [الأعراف: ١٦٣]، وسيأتي حديث صفوان بن عسال في سورة سبحان عند قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ﴾ [الإسراء: ١٠١] وفيه: وعليكم خاصة يهود أن لا تعدوا في السبت.
وهذه من الذنوب التي ارتكبوها، مما أوجب لعنتهم وطردهم وإبعادهم عن الهدى، وهو نقضهم المواثيق والعهود التي أخذت عليهم، وكفرهم بآيات الله، أي حججه وبراهينه، والمعجزات التي شاهدوها على يد الأنبياء ﵈، قوله: ﴿وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ وذلك لكثرة إجرامهم واجترائهم على أنبياء الله، فإنهم قتلوا جمعا غفيرا من الأنبياء ﵈. وقولهم: ﴿قُلُوبُنا غُلْفٌ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي وقتادة وغير واحد: أي في غطاء، وهذا كقول المشركين ﴿وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ﴾ [فصلت: ٥]، وقيل معناه أنهم ادعوا أن قلوبهم غلف للعلم، أي أوعية للعلم قد حوته وحصلته، رواه الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس، وقد تقدم نظيره في سورة البقرة.
قال الله تعالى: ﴿بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ﴾ فعلى القول الأول كأنهم يعتذرون إليه بأن قلوبهم لا تعي ما يقول، لأنها في غلف وفي أكنة، قال الله: بل هي مطبوع عليها بكفرهم وعلى القول الثاني: عكس عليهم ما ادعوه من كل وجه، وقد تقدم الكلام على مثل هذا في سورة البقرة.
﴿فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً﴾ [النساء: ١٥٥] أي تمرنت قلوبهم على الكفر والطغيان، وقلة الإيمان ﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً﴾ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:
يعني أنهم رموها بالزنا، وكذلك قال السدي وجويبر ومحمد بن إسحاق وغير واحد، وهو ظاهر من الآية، أنهم رموها وابنها بالعظائم، فجعلوها زانية وقد حملت بولدها من ذلك، زاد بعضهم: وهي حائض فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.
وقولهم: ﴿إِنّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ﴾ أي هذا الذي يدعي لنفسه هذا