للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسألت أولياء السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ عَلَيَّ فَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُ لَمْ يُرْسِلْ إِلَيْنَا فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنما السكنى والنفقة لِلْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَإِذَا كَانَتْ لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى» «١» وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الصُّوفِيِّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ وَهُوَ الْأَحْمَسِيُّ الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: وَهُوَ شَيْخٌ يَرْوِي عنه.

[سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ٢ الى ٣]

فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (٣)

يَقُولُ تَعَالَى: فَإِذَا بَلَغَتِ الْمُعْتَدَّاتُ أَجَلَّهُنَّ أَيْ شَارَفْنَ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَقَارَبْنَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَمْ تَفْرُغِ الْعِدَّةُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَحِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يَعْزِمَ الزَّوْجُ عَلَى إِمْسَاكِهَا وَهُوَ رَجْعَتُهَا إِلَى عِصْمَةِ نِكَاحِهِ وَالِاسْتِمْرَارُ بِهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عِنْدَهُ بِمَعْرُوفٍ أَيْ مُحْسِنًا إِلَيْهَا فِي صُحْبَتِهَا، وَإِمَّا أَنْ يَعْزِمَ عَلَى مُفَارَقَتِهَا بِمَعْرُوفٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ مُقَابَحَةٍ وَلَا مُشَاتَمَةٍ وَلَا تَعْنِيفٍ بَلْ يُطَلِّقُهَا عَلَى وَجْهٍ جميل وسبيل حسن.

وقوله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ أَيْ عَلَى الرَّجْعَةِ إِذَا عَزَمْتُمْ عَلَيْهَا، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَقَعُ بِهَا وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا وَلَا عَلَى رَجْعَتِهَا، فَقَالَ: طَلَّقْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ وَرَجَعْتَ لِغَيْرِ سنة وأشهد عَلَى طَلَاقِهَا وَعَلَى رَجْعَتِهَا وَلَا تَعُدْ «٢» ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ كَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ قَالَ لَا يَجُوزُ فِي نِكَاحٍ وَلَا طَلَاقٍ وَلَا رِجَاعٍ إِلَّا شَاهِدَا عَدْلٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَنْ يكون من عذر.

وقوله تعالى: ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَيْ هَذَا الَّذِي أَمَرْنَاكُمْ بِهِ مِنَ الْإِشْهَادِ وَإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ إِنَّمَا يَأْتَمِرُ بِهِ من يؤمن بالله واليوم الآخر، وَأَنَّهُ شَرَّعَ هَذَا وَمَنْ يَخَافُ عِقَابَ اللَّهِ في الدار الآخرة، ومن هاهنا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِلَى وُجُوبِ الْإِشْهَادِ فِي الرَّجْعَةِ كَمَا يَجِبُ عِنْدَهُ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَقَدْ قَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ قَالَ بِهَذَا يَقُولُ:

إِنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِالْقَوْلِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا.

وقوله تَعَالَى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ أَيْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَتَرْكِ مَا نَهَاهُ عَنْهُ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ أَيْ مِنْ جِهَةٍ لا تخطر بباله.


(١) أخرجه النسائي في الطلاق باب ٧.
(٢) أخرجه أبو داود في الطلاق باب ٥، وابن ماجة في الطلاق باب ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>