للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يضل به من يشاء، ويهدي من يشاء. ولهذا قال هاهنا «وكذلك نصرف الآيات وليقولوا دارست ولنبينه لقوم يعلمون» وقرأ بعضهم ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾.

قال التميمي عن ابن عباس: درست أي قرئت وتعلمت، وكذا قال مجاهد، والسدي، والضحاك، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد، وقال عبد الرزاق: عن معمر، قال الحسن ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ يقول تقادمت وانمحت، وقال عبد الرزاق أيضا: أنبأنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، سمعت ابن الزبير يقول: إن صبيانا يقرءون ها هنا دارست، وإنما هي درست (١)، وقال شعبة: حدثنا أبو إسحاق الهمداني قال: هي في قراءة ابن مسعود درست، يعني بغير ألف، بنصب السين ووقف على التاء، قال ابن جرير: ومعناه انمحت وتقادمت، أي إن هذا الذي تتلوه علينا، قد مر بنا قديما وتطاولت مدته، وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، أنه قرأها درست، أي قرئت وتعلمت، وقال معمر عن قتادة: درست قرئت، وفي حرف ابن مسعود: درس، وقال عبيد (٢) القاسم بن سلام: حدثنا حجاج، عن هارون، قال: هي في حرف أبي بن كعب، وابن مسعود وليقولوا درس، قال يعنون النبي أنه قرأ، وهذا غريب، فقد روي عن أبي بن كعب خلاف هذا: قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا الحسن بن ليث، حدثنا أبو سلمة، حدثنا أحمد بن أبي بزة المكي، حدثنا وهب بن زمعة، عن أبيه، عن حميد الأعرج، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، قال: أقرأني رسول الله ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ ورواه الحاكم في مستدركه من حديث وهب بن زمعة، وقال: يعني بجزم السين ونصب التاء، ثم قال صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

[[سورة الأنعام (٦): الآيات ١٠٦ إلى ١٠٧]]

﴿اِتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٧)

يقول تعالى آمرا لرسوله ولمن اتبع طريقته ﴿اِتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ اي اقتد به واقتف أثره، واعمل به، فإن ما أوحي إليك من ربك هو الحق، الذي لا مرية فيه، لأنه لا إله إلا هو ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي اعف عنهم واصفح واحتمل أذاهم، حتى يفتح الله لك، وينصرك ويظفرك عليهم، واعلم أن لله حكمة في إضلالهم، فإنه لو شاء لهدى الناس كلهم جميعا، ولو شاء لجمعهم على الهدى ﴿وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا﴾ أي بل له المشيئة والحكمة، فيما يشاؤه ويختاره، لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، وقوله تعالى: ﴿وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً﴾ أي حافظا، تحفظ أقوالهم وأعمالهم ﴿وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ أي موكل على أرزاقهم وأمورهم إن عليك إلا البلاغ كما قال تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ﴾


(١) الأثر في الطبري ٥/ ٣٠٢.
(٢) في الطبري: «أبو عبيدة».

<<  <  ج: ص:  >  >>