للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفرحون بما هم فيه من الضلال لأنهم يحسبون أنهم مهتدون، ولهذا قال متهددا لهم ومتوعدا:

﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ﴾ أي في غيهم وضلالهم ﴿حَتّى حِينٍ﴾ أي إلى حين حينهم وهلاكهم، كما قال تعالى: ﴿فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً﴾ [الطارق: ١٧] وقال تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الحجر: ٣].

وقوله: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ﴾ يعني أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا؟ كلا ليس الأمر كما يزعمون في قولهم ﴿نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سبأ: ٣٠] لقد أخطئوا في ذلك وخاب رجاؤهم، بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجا وإنظارا وإملاء، ولهذا قال: ﴿بَلْ لا يَشْعُرُونَ﴾ كما قال تعالى: ﴿فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ [التوبة: ٥٥] الآية. وقال تعالى: ﴿إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً﴾ [آل عمران: ١٧٨] وقال تعالى: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ [القلم: ٤٤ - ٤٥] الآية، وقال: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً﴾ -إلى قوله- ﴿عَنِيداً﴾ [المدثر: ١١ - ١٦] وقال تعالى: ﴿وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً﴾ [سبأ: ٣٧] الآية، والآيات في هذا كثيرة.

قال قتادة في قوله: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ﴾ قال: مكر والله بالقوم في أموالهم وأولادهم، يا ابن آدم فلا تعتبر الناس بأموالهم وأولادهم، ولكن اعتبرهم بالإيمان والعمل الصالح.

وقال الإمام أحمد (١): حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد عن مرة الهمداني، حدثنا عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : «إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، والذي نفس محمد بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه» قالوا: وما بوائقه يا رسول الله؟ قال: «غشمه وظلمه، ولا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق به فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله لا يمحو السيئ بالسيء ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث».

[[سورة المؤمنون (٢٣): الآيات ٥٧ إلى ٦١]]

﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١)


(١) المسند ١/ ٣٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>