ابْنُ جَرِيرٍ «١» : الصَّوَابُ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ الرُّهْبَانِ وَبِيَعُ النَّصَارَى وَصَلَوَاتُ الْيَهُودِ، وَهِيَ كَنَائِسُهُمْ، وَمَسَاجِدُ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا، لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هَذَا تَرَقٍّ مِنَ الْأَقَلِّ إلى الأكثر إلى أن انتهى إِلَى الْمَسَاجِدِ وَهِيَ أَكْثَرُ عُمَّارًا وَأَكْثَرُ عُبَّادًا وَهُمْ ذَوُو الْقَصْدِ الصَّحِيحِ.
وَقَوْلُهُ: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ [مُحَمَّدٍ: ٧- ٨] . وَقَوْلُهُ:
إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ وَصَفَ نَفْسَهُ بِالْقُوَّةِ وَالْعِزَّةِ، فَبِقُوَّتِهِ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، وَبِعِزَّتِهِ لَا يَقْهَرُهُ قَاهِرٌ وَلَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ ذَلِيلٌ لَدَيْهِ فَقِيرٌ إِلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ نَاصِرَهُ فَهُوَ الْمَنْصُورُ وَعَدُوُّهُ هُوَ الْمَقْهُورُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ [الصَّافَّاتِ: ١٧١- ١٧٣] وَقَالَ تَعَالَى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة: ٢١] .
[[سورة الحج (٢٢) : آية ٤١]]
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١)
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: فِينَا نَزَلَتْ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ
فَأُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ قُلْنَا: رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ مُكِّنَّا فِي الْأَرْضِ، فَأَقَمْنَا الصَّلَاةَ وَآتَيْنَا الزَّكَاةَ، وَأَمَرْنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْنَا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ فَهِيَ لِي وَلِأَصْحَابِي. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الصَّبَاحُ بْنُ سِوَادَةَ الْكِنْدِيُّ: سَمِعَتْ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى الْوَالِي وَحْدَهُ، وَلَكِنَّهَا عَلَى الْوَالِي وَالْمُولَى عَلَيْهِ، أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا لَكَمَ عَلَى الْوَالِي مِنْ ذَلِكُمْ، وَبِمَا لِلْوَالِي عَلَيْكُمْ مِنْهُ؟ إِنَّ لَكُمْ عَلَى الْوَالِي مِنْ ذَلِكُمْ أَنْ يُؤَاخِذَكُمْ بِحُقُوقِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَأَنْ يَأْخُذَ لِبَعْضِكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَأَنْ يَهْدِيَكُمْ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ مَا اسْتَطَاعَ، وَإِنَّ عَلَيْكُمْ مِنْ ذَلِكَ الطَّاعَةَ غير المبزوزة ولا المستكره بها، وَلَا الْمُخَالِفَ سِرُّهَا عَلَانِيَتَهَا. وَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [النُّورِ: ٥٥] وَقَوْلُهُ: وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الْقَصَصِ: ٨٣] . وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ وَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ مَا صنعوا.
(١) تفسير الطبري ٩/ ١٦٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.patreon.com/shamela4