للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالجنة (١).

وقال عكرمة لما نزلت هذه الآية ﴿إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً﴾ [التوبة: ٣٩] و ﴿ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ﴾ [التوبة: ١٢٠] الآية، قال المنافقون: هلك أصحاب البدو الذين تخلفوا عن محمد ولم ينفروا معه، وقد كان ناس من أصحاب النبي خرجوا إلى البدو إلى قومهم يفقهونهم فأنزل الله ﷿ ﴿وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ الآية، ونزلت ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ﴾ (٢) [الشورى: ١٦] وقال الحسن البصري في الآية: ليتفقه الذين خرجوا بما يريهم الله من الظهور على المشركين والنصرة، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم (٣).

[[سورة التوبة (٩): آية ١٢٣]]

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣)

أمر الله تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أولا، فأولا الأقرب فالأقرب فالأقرب إلى حوزة الإسلام، ولهذا بدأ رسول الله بقتال المشركين في جزيرة العرب، فلما فرغ منهم وفتح الله عليه مكة والمدينة والطائف واليمن واليمامة وهجر وخيبر وحضر موت وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب، ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجا، شرع في قتال أهل الكتاب، فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب وأولى الناس بالدعوة إلى الإسلام لأنهم أهل الكتاب، فبلغ تبوك ثم رجع لأجل جهد الناس وجدب البلاد وضيق الحال، وذلك سنة تسع من هجرته ، ثم اشتغل في السنة العاشرة بحجة الوداع، ثم عاجلته المنية صلوات الله وسلامه عليه بعد حجته بأحد وثمانين يوما، فاختاره الله لما عنده.

وقام بالأمر بعده وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر الصديق ، وقد مال الدين ميلة كاد أن ينجفل فثبته الله تعالى به، فوطد القواعد وثبت الدعائم، ورد شارد الدين وهو راغم، ورد أهل الردة إلى الإسلام، وأخذ الزكاة ممن منعها من الطغام (٤)، وبين الحق لمن جهله، وأدى عن الرسول ما حمله، ثم شرع في تجهيز الجيوش الإسلامية إلى الروم عبدة الصلبان، وإلى الفرس عبدة النيران، ففتح الله ببركة سفارته البلاد، وأرغم أنف كسرى وقيصر ومن أطاعهما من العباد. وأنفق كنوزهما في سبيل الله كما أخبر بذلك رسول الله وكان تمام الأمر على يدي وصيه من بعده، وولي عهده الفاروق الأواب، شهيد المحراب، أبي حفص عمر بن الخطاب ، فأرغم الله به أنوف الكفرة الملحدين، وقمع الطغاة والمنافقين


(١) انظر تفسير الطبري ٦/ ٥١٤، ٥١٥.
(٢) انظر تفسير الطبري ٦/ ٥١٥.
(٣) انظر تفسير الطبري ٦/ ٥١٦.
(٤) الطغام: أوغاد الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>