للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهدى، فقال الناس لهم: ما نراكم إلا وقد تركتم أصحابكم وجئتمونا؟ فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرجا وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي ، فقال الله ﷿: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ﴾ يبغون الخير ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ وليستمعوا ما في الناس وما أنزل الله فعذرهم ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾ الناس كلهم إذا رجعوا إليهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (١).

وقال قتادة في الآية: هذا إذا بعث رسول الله الجيوش أمرهم الله أن يغزوا بنبيه ، وتقيم طائفة مع رسول الله تتفقه في الدين، وتنطلق طائفة تدعو قومها وتحذرهم وقائع الله فيمن خلا قبلهم (٢).

وقال الضحاك: كان رسول الله إذا غزا بنفسه لم يحل لأحد من المسلمين أن يتخلف عنه إلا أهل الأعذار، وكان إذا قام وأسرى السرايا لم يحل لهم أن ينطلقوا إلا بإذنه، وكان الرجل إذا أسرى فنزل بعده قرآن وتلاه نبي الله على أصحابه القاعدين معه، فإذا رجعت السرية قال لهم الذين أقاموا مع رسول الله : إن الله أنزل بعدكم على نبيه قرآنا فيقرئونهم ويفقهونهم في الدين، وهو قوله: ﴿وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ يقول إذا أقام رسول الله ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ﴾ يعني بذلك أنه لا ينبغي للمسلمين أن ينفروا جميعا ونبي الله قاعد، ولكن إذا قعد نبي الله فسرت السرايا وقعد معه معظم الناس (٣).

وقال علي بن أبي طلحة أيضا عن ابن عباس في الآية، قوله ﴿وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ إنها ليست في الجهاد، ولكن لما دعا رسول الله على مضر بالسنين، أجدبت بلادهم وكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها، حتى يحلوا بالمدينة من الجهد ويعتلوا بالإسلام وهم كاذبون، فضيقوا على أصحاب رسول الله وأجهدوهم، فأنزل الله تعالى يخبر رسوله أنهم ليسوا مؤمنين، فردهم رسول الله إلى عشائرهم وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم، فذلك قوله: ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ﴾ الآية (٤).

وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية: كان ينطلق من كل حي من العرب عصابة فيأتون النبي فيسألونه عما يريدون من أمر دينهم ويتفقهون في دينهم، ويقولون للنبي :

ما تأمرنا أن نفعله؟ وأخبرنا بما نأمر به عشائرنا إذا قدمنا عليهم، قال فيأمرهم نبي الله بطاعة الله ورسوله ويبعثهم إلى قومهم بالصلاة والزكاة، وكانوا إذا أتوا قومهم قالوا: إن من أسلم فهو منا وينذرونهم، حتى إن الرجل ليفارق أباه، وأمه، وكان النبي يخبرهم وينذرهم قومهم، فإذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى الإسلام وينذرونهم النار ويبشرونهم


(١) انظر تفسير الطبري ٦/ ٥١٣.
(٢) انظر تفسير الطبري ٦/ ٥١٤.
(٣) تفسير الطبري ٦/ ٥١٤.
(٤) تفسير الطبري ٦/ ٥١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>