للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً﴾ أي العجل، أفلا يرون أنه لا يجيبهم إذا سألوه ولا إذا خاطبوه، ﴿وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً﴾، أي في دنياهم ولا في أخراهم. قال ابن عباس : لا والله ما كان خواره إلا أن يدخل الريح في دبره. فيخرج من فمه فيسمع له صوت.

وقد تقدم في حديث الفتون عن الحسن البصري أن هذا العجل اسمه بهموت، وحاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط فألقوها عنهم وعبدوا العجل، فتورعوا عن الحقير وفعلوا الأمر الكبير، كما جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر أنه سأله رجل من أهل العراق عن دم البعوض إذا أصاب الثوب، يعني هل يصلي فيه أم لا؟ فقال ابن عمر : انظروا إلى أهل العراق، قتلوا ابن بنت رسول الله يعني الحسين، وهم يسألون عن دم البعوضة (١).

[[سورة طه (٢٠): الآيات ٩٠ إلى ٩١]]

﴿وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١)

يخبر تعالى عما كان من نهي هارون لهم عن عبادتهم العجل وإخباره إياهم، إنما هذا فتنة لكم وإن ربكم الرحمن الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، ذو العرش المجيد الفعال لما يريد ﴿فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ أي فيما آمركم به، واتركوا ما أنهاكم عنه، ﴿قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى﴾ أي لا نترك عبادته حتى نسمع كلام موسى فيه، وخالفوا هارون في ذلك وحاربوه وكادوا أن يقتلوه.

[[سورة طه (٢٠): الآيات ٩٢ إلى ٩٤]]

﴿قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤)

يخبر تعالى عن موسى حين رجع إلى قومه، فرأى ما قد حدث فيهم من الأمر العظيم، فامتلأ عند ذلك غضبا وألقى ما كان في يده من الألواح الإلهية، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، وقد قدمنا في سورة الأعراف بسط ذلك، وذكرنا هناك حديث «ليس الخبر كالمعاينة» وشرع يلوم أخاه هارون، فقال: ﴿ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاّ تَتَّبِعَنِ﴾ أي فتخبرني بهذا الأمر أول ما وقع ﴿أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ أي فيما كنت قدمت إليك، وهو قوله: ﴿اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٢].

﴿قالَ يَا بْنَ أُمَّ﴾ ترقق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه، لأن ذكر الأم هاهنا أرق وأبلغ في الحنو والعطف، ولهذا قال: ﴿يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي﴾ الآية، هذا اعتذار من هارون عند موسى في سبب تأخره عنه حيث لم يلحقه فيخبره بما كان من هذا الخطب


(١) أخرجه البخاري في الأدب باب ١٨، وأحمد في المسند ٢/ ٩٣، ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>