للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدنيا والآخرة وحسن العاقبة، كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم وإظهاركم عليه وغير ذلك من أيادي الله.

﴿أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ﴾ أي في انتظار ما وعدكم الله ونسيان ما سلف من نعمه وما بالعهد من قدم، ﴿أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ أم هاهنا بمعنى بل، وهي للإضراب عن الكلام الأول وعدول إلى الثاني، كأنه يقول: بل أردتم بصنيعكم هذا أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي، قالوا أي بنو إسرائيل في جواب ما أنبهم موسى وقرعهم ﴿ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا﴾ أي عن قدرتنا واختيارنا، ثم شرعوا يعتذرون بالعذر البارد، يخبرونه عن تورعهم عما كان بأيديهم من حلي القبط الذي كانوا قد استعاروه منهم حين خرجوا من مصر، فقذفناها أي ألقيناها عنا.

وقد تقدم في حديث الفتون أن هارون هو الذي كان أمرهم بإلقاء الحلي في حفرة فيها نار، وهي في رواية السدي عن أبي مالك عن ابن عباس، إنما أراد هارون أن يجتمع الحلي كله في تلك الحفيرة، ويجعل حجرا واحدا، حتى إذا رجع موسى ، رأى فيه ما يشاء ثم جاء ذلك السامري فألقى عليها تلك القبضة التي أخذها من أثر الرسول، وسأل من هارون أن يدعو الله أن يستجيب له في دعوته، فدعا له هارون وهو لا يعلم ما يريد فأجيب له، فقال السامري عند ذلك: أسأل الله أن يكون عجلا، فكان عجلا له خوار أي صوت استدراجا، وإمهالا ومحنة واختبارا، ولهذا قال: ﴿فَكَذلِكَ أَلْقَى السّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ﴾.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبادة بن البختري، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن هارون مر بالسامري وهو ينحت العجل، فقال له: ما تصنع؟ فقال: أصنع ما يضر ولا ينفع، فقال هارون: اللهم أعطه ما سأل على ما في نفسه، ومضى هارون. وقال السامري: اللهم إني أسألك ان يخور فخار، فكان إذا خار سجدوا له، وإذا خار رفعوا رؤوسهم. ثم رواه من وجه آخر عن حماد وقال: أعمل ما ينفع ولا يضر. وقال السدي كان يخور ويمشي فقالوا: أي الضّلال منهم الذين افتتنوا بالعجل وعبدوه: ﴿هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ﴾ أي نسيه هاهنا وذهب يتطلبه، كذا تقدم في حديث الفتون عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقال سماك عن عكرمة عن ابن عباس: ﴿فَنَسِيَ﴾، أي نسي أن يذكركم أن هذا إلهكم.

وقال محمد بن إسحاق عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فقال: ﴿هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى﴾ قال: فعكفوا عليه وأحبوه حبا لم يحبوا شيئا قط يعني مثله، يقول الله:

﴿فَنَسِيَ﴾ أي ترك ما كان عليه من الإسلام يعني السامري. قال الله تعالى ردا عليهم وتقريعا لهم وبيانا لفضيحتهم وسخافة عقولهم فيما ذهبوا إليه: ﴿أَفَلا يَرَوْنَ أَلاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>