للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاضرب وجوه الغدر للأعداء … حتى يجيبوك إلى السّواء (١)

وعن الوليد بن مسلم أنه قال في قوله تعالى: ﴿فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ﴾ أي على مهل، ﴿إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ﴾ أي حتى ولو في حق الكفار لا يحبها أيضا. قال الإمام أحمد (٢):

حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة، عن أبي الفيض عن سليم بن عامر، قال: كان معاوية يسير في أرض الروم، وكان بينه وبينهم أمد، فأراد أن يدنو منهم، فإذا انقضى الأمد غزاهم، فإذا شيخ على دابة يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدرا، إن رسول الله قال: «ومن كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشدها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء» قال:

فبلغ ذلك معاوية، فرجع، فإذا بالشيخ عمرو بن عنبسة (٣)، وهذا الحديث رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة، وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه، من طرق عن شعبة به، وقال الترمذي: حسن صحيح.

وقال الإمام أحمد (٤) أيضا: حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري، حدثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري عن سلمان، يعني الفارسي ، أنه انتهى إلى حصن أو مدينة، فقال لأصحابه: دعوني أدعوهم كما رأيت رسول الله يدعوهم، فقال:

إنما كنت رجلا منكم، فهداني الله ﷿ للإسلام، فإن أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فأدوا الجزية وأنتم صاغرون، وإن أبيتم نابذناكم على سواء، ﴿إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ﴾ يفعل ذلك بهم ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الرابع غدا الناس إليها ففتحوها بعون الله.

[[سورة الأنفال (٨): الآيات ٥٩ إلى ٦٠]]

﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠)

يقول تعالى لنبيه : «ولا تحسبن» يا محمد ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا﴾ أي فاتونا، فلا نقدر عليهم بل هم تحت قهر قدرتنا، وفي قبضة مشيئتنا، فلا يعجزوننا، كقوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤] أي يظنون، وقوله تعالى:

﴿لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [النور: ٥٧] وقوله تعالى: ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ﴾


(١) الرجز بلا نسبة في تفسير الطبري ٦/ ٢٧٢.
(٢) المسند ٤/ ١١١.
(٣) أخرجه أبو داود في الجهاد باب ١٥٢، والترمذي في السير باب ٢٧.
(٤) المسند ٥/ ٤٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>