للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ أَيْ لَا تَعْجَبُوا أَنْ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ أَيَّامَ اللَّهِ وَلِقَاءَهُ بَلِ احْمَدُوا اللَّهَ عَلَى ذَاكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ أَيْ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ في جَعَلَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ الَّذِي أَهْلَكَ اللَّهُ أَهْلَ الْأَرْضِ بِدَعْوَتِهِ لَمَّا خَالَفُوهُ وَكَذَّبُوهُ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً أَيْ زَادَ طُولَكُمْ عَلَى النَّاسِ بَسْطَةً أَيْ جعلكم أطول من أبناء جنسكم كقوله فِي قِصَّةِ طَالُوتَ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [الْبَقَرَةِ: ٢٤٧] فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ أَيْ نِعَمَهُ ومننه عليكم لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ والآلاء جمع أل وقيل ألى.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٧٠ إِلًى ٧٢]

قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢)

يخبر تعالى عَنْ تَمَرُّدِهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ وَعِنَادِهِمْ وَإِنْكَارِهِمْ عَلَى هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ الآية كقول الْكُفَّارُ مِنْ قُرَيْشٍ وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الْأَنْفَالِ: ٣٢] وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ أَصْنَامًا فَصَنَمٌ يُقَالُ له صدا وآخر يقال صَمُودٌ وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ الْهَبَاءُ وَلِهَذَا قَالَ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَيْ قَدْ وَجَبَ عَلَيْكُمْ بمقالتكم هذه من ربكم رجس قِيلَ هُوَ مَقْلُوبٌ مِنْ رِجْزٍ وَعَنِ ابْنِ عباس معناه سخط وَغَضَبٌ.

أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ أَيْ أَتُحَاجُّونِي فِي هَذِهِ الْأَصْنَامِ الَّتِي سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ آلِهَةً وَهِيَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَى عِبَادَتِهَا حُجَّةً وَلَا دَلِيلًا وَلِهَذَا قَالَ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ وَهَذَا تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ مِنَ الرَّسُولِ لقومه ولهذا عقبه بُقُولِهِ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ.

وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ صِفَةَ إِهْلَاكِهِمْ فِي أَمَاكِنَ أُخَرَ مِنَ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ أَرْسَلَ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ [الْحَاقَّةُ: ٦- ٨] لَمَّا تَمَرَّدُوا وَعَتَوْا أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِرِيحٍ عَاتِيَةٍ فَكَانَتْ تَحْمِلُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ فَتَرْفَعُهُ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ تُنَكِّسُهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ فَتَثْلَغُ رأسه حتى تبينه من بين جُثَّتِهِ وَلِهَذَا قَالَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ كَانُوا يَسْكُنُونَ بِالْيَمَنِ بين عَمَّانَ وَحَضْرَمَوْتَ وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ قَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>