وَهُمْ كُفّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ وقالت طائفة أخرى: بل يجوز لعن الكافر المعين، واختاره الفقيه أبو بكر بن العربي المالكي ولكنه احتج بحديث فيه ضعف، واستدل غيره بقوله ﵇ في قصة الذي كان يؤتى به سكران فيحده، فقال رجل لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول الله ﷺ«لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله» فدل على أن من لا يحب الله ورسوله يلعن، والله أعلم.
[[سورة البقرة (٢): آية ١٦٣]]
﴿وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)﴾
يخبر تعالى عن تفرده بالإلهية، وأنه لا شريك له ولا عديل له، بل هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا إله إلا هو، وأنه الرحمن الرحيم وقد تقدم تفسير هذين الاسمين في أول الفاتحة، وفي الحديث عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن عن رسول الله ﷺ، أنه قال «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين ﴿وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: ٢٥٥] و ﴿الم اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾» ثم ذكر الدليل على تفرده بالإلهية بخلق السموات والأرض وما فيهما وما بين ذلك مما ذرأ وبرأ من المخلوقات الدالة على وحدانيته، فقال:
يقول تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ تلك في ارتفاعها ولطافتها واتساعها وكواكبها السيارة والثوابت ودوران فلكها-وهذه الأرض في كثافتها وانخفاضها وجبالها وبحارها وقفارها ووهادها وعمرانها وما فيها من المنافع، واختلاف الليل والنهار. هذا يجيء ثم يذهب ويخلفه الآخر ويعقبه، لا يتأخر عنه لحظة، كما قال تعالى: ﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] وتارة يطول هذا ويقصر هذا، وتارة يأخذ هذا من هذا ثم يتعاوضان، كما قال تعالى: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [الحديد: ٦] أي يزيد من هذا في هذا ومن هذا في هذا.
﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ﴾ أي في تسخير البحر بحمل السفن من جانب إلى جانب لمعايش الناس والانتفاع بما عند أهل ذلك الإقليم، ونقل هذا إلى هؤلاء ﴿وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها﴾ كما قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾ -إلى قوله- ﴿وَمِمّا لا يَعْلَمُونَ﴾ [يس: ٣٣] ﴿وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾ أي على اختلاف أشكالها وألوانها ومنافعها وصغرها وكبرها، وهو يعلم ذلك