كله ويرزقه، لا يخفى عليه شيء من ذلك، كما قال تعالى: ﴿وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: ٦] ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ﴾ أي فتارة تأتي بالرحمة، وتارة تأتي بالعذاب، وتارة تأتي مبشرة بين يدي السحاب، وتارة تسوقه، وتارة تجمعه، وتارة تفرقه، وتارة تصرفه، ثم تارة تأتي من الجنوب وهي الشامية، وتارة تأتي من ناحية اليمن وتارة صبا، وهي الشرقية التي تصدم وجه الكعبة، وتارة دبورا وهي غربية تنفذ من ناحية دبر الكعبة. وقد صنف الناس في الرياح والمطر والأنواء كتبا كثيرة فيما يتعلق بلغاتها وأحكامها، وبسط ذلك يطول هاهنا، والله أعلم.
﴿وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ﴾ أي سائر بين السماء والأرض، مسخر إلى ما يشاء الله من الأراضي والأماكن، كما يصرفه تعالى: ﴿لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ أي في هذه الأشياء دلالات بينة على وحدانية الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ﴾ [آل عمران: ١٩٠ - ١٩١].
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا أبو سعيد الدشتكي، حدثني أبي عن أبيه، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: أتت قريش محمدا ﷺ فقالوا: يا محمد، إنا نريد أن تدعو ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا فنشتري به الخيل والسلاح، فنؤمن بك ونقاتل معك، قال «أوثقوا لي لئن دعوت ربي فجعل لكم الصفا ذهبا لتؤمنن بي» فأوثقوا له، فدعا ربه، فأتاه جبريل فقال: إن ربك قد أعطاهم الصفا ذهبا على أنهم إن لم يؤمنوا بك عذبهم عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين، قال محمد ﷺ«رب لا بل دعني وقومي فلأدعهم يوما بيوم»، فأنزل الله هذه الآية: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ﴾ الآية.
ورواه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن جعفر بن أبي المغيرة به، وزاد في آخره: وكيف يسألونك الصفا وهم يرون من الآيات ما هو أعظم من الصفا؟ وقال ابن أبي حاتم أيضا: حدثنا أبي، حدثنا أبو حذيفة، حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، قال: نزلت على النبي ﷺ بالمدينة ﴿وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: ١٦٣] فقال كفار قريش بمكة: كيف يسع الناس إله واحد؟ فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ﴾ إلى قوله: ﴿لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ فبهذا يعلمون أنه إله واحد، وأنه إله كل شيء، وخالق كل شيء.
وقال وكيع بن الجراح: حدثنا سفيان عن أبيه، عن أبي الضحى، قال: لما نزلت ﴿وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ﴾ إلى آخر الآية، قال المشركون: إن كان هكذا، فليأتنا بآية، فأنزل الله ﷿ ﴿إِنَّ