وأما الأمر بحمل السلاح في صلاة الخوف فمحمول عند طائفة من العلماء على الوجوب لظاهر الآية، وهو أحد قولي الشافعي، ويدل عليه قول الله تعالى: ﴿وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ أي بحيث تكونون على أهبة إذا احتجتم إليها لبستموها بلا كلفة ﴿إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً﴾.
يأمر الله تعالى بكثرة الذكر عقيب صلاة الخوف وإن كان مشروعا مرغبا فيه أيضا بعد غيرها، ولكن هاهنا آكد لما وقع فيها من التخفيف في أركانها، ومن الرخصة في الذهاب فيها والإياب، وغير ذلك مما ليس يوجد في غيرها، كما قال تعالى في الأشهر الحرم: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: ٣٦] وإن كان هذا منهيا عنه في غيرها، ولكن فيها آكد لشدة حرمتها وعظمتها، ولهذا قال تعالى: ﴿فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ﴾ أي في سائر أحوالكم، ثم قال تعالى: ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ أي فإذا أمنتم وذهب الخوف، وحصلت الطمأنينة ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ أي فأتموها وأقيموها كما أمرتم بحدودها، وخشوعها، وركوعها، وسجودها، وجميع شؤونها.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً﴾ قال ابن عباس: أي مفروضا، وقال أيضا: إن للصلاة وقتا كوقت الحج، وكذا روي عن مجاهد وسالم بن عبد الله وعلي بن الحسين ومحمد بن علي والحسن ومقاتل والسدي وعطية العوفي. قال عبد الرزاق:
عن معمر عن قتادة ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً﴾ قال ابن مسعود: إن للصلاة وقتا كوقت الحج وقال زيد بن أسلم ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً﴾ قال:
منجما كلما مضى نجم جاء نجم، يعني كلما مضى وقت جاء وقت.
وقوله تعالى: ﴿وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ﴾ أي لا تضعفوا في طلب عدوكم، بل جدوا فيهم وقاتلوهم، واقعدوا لهم كل مرصد ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ﴾ أي كما يصيبكم الجراح والقتل كذلك يحصل لهم، كما قال تعالى: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ [آل عمران: ١٤٠]، ثم قال تعالى: ﴿وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ﴾ أي أنتم وإياهم سواء فيما يصيبكم، وإياهم من الجراح والآلام، ولكن أنتم ترجون من الله المثوبة والنصر والتأييد كما وعدكم إياه في كتابه وعلى لسان رسوله ﷺ وهو وعد حق، وخبر صدق، وهم لا يرجون شيئا من ذلك، فأنتم أولى بالجهاد منهم وأشد رغبة فيه، وفي إقامة كلمة الله وإعلائها، ﴿وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾ أي هو أعلم وأحكم فيما يقدره ويقضيه وينفذه ويمضيه