للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: سمعته يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ «١» وَيَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ وَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ وَيَقُولُ لَهُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ» ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ: الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ «٢» الآية أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ بِهِ.

وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أَيْ يَرُدُّونَ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَسُلُوكِ طَرِيقِ الْهُدَى الْمُوَصِّلَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُجَنِّبُونَهُمُ الْجَنَّةَ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أَيْ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَكُونَ طَرِيقُهُمْ عِوَجًا غَيْرَ مُعْتَدِلَةٍ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ أَيْ جَاحِدُونَ بِهَا مُكَذِّبُونَ بِوُقُوعِهَا وَكَوْنِهَا أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ أَيْ بَلْ كَانُوا تَحْتَ قَهْرِهِ وَغَلَبَتِهِ وَفِي قَبْضَتِهِ وَسُلْطَانِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا قبل الآخرة إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ.

وفي الصحيحين «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» «٣» وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:

يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ الآية أي يضاعف عليهم العذاب، وذلك أن اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أفئدتهم بَلْ كَانُوا صُمًّا عَنْ سَمَاعِ الْحَقِّ عُمْيًا عَنِ اتِّبَاعِهِ كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُمْ حِينَ دخولهم النار كقوله: وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ [الْمُلْكِ: ١٠] .

وَقَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ [النحل: ٨٨] الآية، وَلِهَذَا يُعَذَّبُونَ عَلَى كُلِّ أَمْرٍ تَرَكُوهُ وَعَلَى كُلِّ نَهْيٍ ارْتَكَبُوهُ وَلِهَذَا كَانَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِفُرُوعِ الشَّرَائِعِ أَمْرِهَا وَنَهْيِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ وَقَوْلُهُ: أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ

أَيْ خسروا أنفسهم لأنهم أدخلوا نَارًا حَامِيَةً فَهُمْ مُعَذَّبُونَ فِيهَا لَا يُفْتَرُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا طَرْفَةَ عَيْنٍ كَمَا قَالَ تعالى: كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً [الإسراء:

٩٧] وَضَلَّ عَنْهُمْ

أَيْ ذَهَبَ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ

مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْأَصْنَامِ فَلَمْ تُجْدِ عَنْهُمْ شَيْئًا بَلْ ضَرَّتْهُمْ كُلَّ الضَّرَرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ [الْأَحْقَافِ: ٦] .

وَقَالَ تَعَالَى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ


(١) يضع عليه كنفه: أي ستره وعفوه وصفحه.
(٢) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١١، باب ٤، ومسلم في التوبة حديث ٥٢.
(٣) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١١، باب ٥، ومسلم في البر حديث ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>