للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل الجنة يغبنون أهل النار، وكذا قال قتادة ومجاهد، وقال مقاتل بن حيان: لا غبن أعظم من أن يدخل هؤلاء إلى الجنة ويذهب بأولئك إلى النار. قلت: وقد فسر ذلك بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ وقد تقدم تفسير مثل هذه غير مرة.

[[سورة التغابن (٦٤): الآيات ١١ إلى ١٣]]

﴿ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣)

يقول تعالى مخبرا بما أخبر به في سورة الحديد: ﴿ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ﴾ [الحديد: ٢٢]. وهكذا قال هاهنا:

﴿ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ﴾ قال ابن عباس: بأمر الله، يعني عن قدره ومشيئته ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ أي ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله هدى الله قلبه. وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه ويقينا صادقا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه أو خيرا منه. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ يعني يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه (١).

وقال الأعمش عن أبي ظبيان قال: كنا عند علقمة فقرئ عنده هذه الآية ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ فسئل عن ذلك فقال: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما، وقال سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ يعني يسترجع يقول ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾ [البقرة: ١٥٦].

وفي الحديث المتفق عليه «عجبا للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن» (٢).

وقال أحمد (٣): حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا الحارث بن يزيد عن علي بن رباح أنه سمع جنادة بن أبي أمية يقول: سمعت عبادة بن الصامت يقول: إن رجلا أتى رسول الله فقال: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله وتصديق به وجهاد في سبيل الله» قال:


(١) انظر تفسير الطبري ١٢/ ١١٦.
(٢) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٦٤، وأحمد في المسند ٤/ ٣٣٢، ٣٣٣.
(٣) المسند ٥/ ٣١٨، ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>