للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخِطَابِ الَّذِي فَصَلَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ أَوْ قَالَ الْمُؤْمِنُونَ وَالصَّالِحُونَ وَهُوَ قَضَاءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ هُوَ إِصَابَةُ القضاء وفهم ذلك وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا هُوَ الْفَصْلُ فِي الْكَلَامِ وَفِي الْحُكْمِ وَهَذَا يَشْمَلُ هَذَا كُلَّهُ وَهُوَ الْمُرَادُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ «١» وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ النُّمَيْرِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بِلَالِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ فَصْلُ الْخِطَابِ، وَكَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ فَصْلُ الْخِطَابِ: أَمَّا بَعْدُ.

[سورة ص (٣٨) : الآيات ٢١ الى ٢٥]

وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لَا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (٢٤) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥)

قَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ هَاهُنَا قِصَّةً أَكْثَرُهَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهَا عَنِ الْمَعْصُومِ حَدِيثٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَلَكِنْ رَوَى ابن أبي حاتم حَدِيثًا لَا يَصِحُّ سَنَدُهُ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه وَيَزِيدُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ لَكِنَّهُ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ فَالْأُولَى أَنْ يُقْتَصَرَ عَلَى مُجَرَّدِ تِلَاوَةِ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَأَنْ يُرَدَّ عِلْمُهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ وما تضمن فهو حق أيضا.

وقوله تعالى: فَفَزِعَ مِنْهُمْ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مِحْرَابِهِ وَهُوَ أَشْرَفُ مَكَانٍ فِي دَارِهِ وكان قد أمر أن لا يَدْخُلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَلَمْ يَشْعُرْ إِلَّا بِشَخْصَيْنِ قَدْ تَسَوَّرَا عَلَيْهِ الْمِحْرَابَ أَيِ احتاطا به يسألانه عن شأنهما وقوله عز وجل: وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ أَيْ غَلَبَنِي يُقَالُ عَزَّ يعز إذا قهر وغلب. وقوله تعالى: وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما أي اختبرناه «٢» . وقوله تعالى وَخَرَّ راكِعاً أَيْ سَاجِدًا وَأَنابَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَكَعَ أَوَّلًا ثُمَّ سَجَدَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ اسْتَمَرَّ سَاجِدًا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ أَيْ مَا كَانَ مِنْهُ مِمَّا يُقَالُ فِيهِ إِنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ.

وقد اختلف الأئمة فِي سَجْدَةِ ص هَلْ هِيَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ الْجَدِيدُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ بَلْ هِيَ سجدة شكر، والدليل على


(١) تفسير الطبري ١٠/ ٥٦٥.
(٢) انظر تفسير الطبري ١٠/ ٥٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>