للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البدن والروح معا ﴿وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً﴾ أي ينتشر الناس فيه لمعايشهم ومكاسبهم وأسبابهم، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [القصص: ٧٣] الآية.

[[سورة الفرقان (٢٥): الآيات ٤٨ إلى ٥٠]]

﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النّاسِ إِلاّ كُفُوراً (٥٠)

وهذا أيضا من قدرته التامة وسلطانه العظيم، وهو أنه تعالى يرسل الرياح مبشرات، أي بمجيء السحاب بعدها، والرياح أنواع في صفات كثيرة من التسخير، فمنها ما يثير السحاب، ومنها ما يحمله، ومنها ما يسوقه، ومنها ما يكون بين يدي السحاب مبشرا، ومنها ما يكون قبل ذلك يقم الأرض، ومنها ما يلقح السحاب ليمطر، ولهذا قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً﴾ أي آلة يتطهر بها كالسحور والوقود وما جرى مجراهما، فهذا أصح ما يقال في ذلك. وأما من قال إنه فعول بمعنى فاعل، أو إنه مبني للمبالغة والتعدي، فعلى كل منهما إشكالات من حيث اللغة والحكم (١)، ليس هذا موضع بسطها، والله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي عن أبي جعفر الرازي إلى حميد الطويل عن ثابت البناني قال: دخلت مع أبي العالية في يوم مطير، وطرق البصرة قذرة، فصلى فقلت له، فقال ﴿وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً﴾ قال: طهره ماء السماء، وقال أيضا: حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة، حدثنا وهيب عن داود عن سعيد بن المسيب في هذه الآية قال: أنزله الله طهورا لا ينجسه شيء. وعن أبي سعيد قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر يلقى فيها النتن ولحوم الكلاب؟ فقال «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» (٢) رواه الشافعي وأحمد وصححه وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي.

وروى ابن أبي حاتم بإسناده: حدثنا أبي، حدثنا أبو الأشعث حدثنا معتمر، سمعت أبي يحدث عن سيار عن خالد بن يزيد قال: كان عند عبد الملك بن مروان فذكروا الماء، فقال خالد بن يزيد: منه من السماء، ومنه يسقيه الغيم من البحر فيغذ به الرعد والبرق، فأما ما كان من البحر فلا يكون له نبات، فأما النبات فمما كان من السماء. وروي عن عكرمة قال:

ما أنزل الله من السماء قطرة إلا أنبت بها في الأرض عشبة أو في البحر لؤلؤة. وقال غيره: في البر بر وفي البحر در.


(١) انظر تفسير الطبري ٩/ ٣٩٧.
(٢) أخرجه أبو داود في الطهارة باب ٣٤، والترمذي في الطهارة باب ٤٩، والنسائي في المياه باب ١، ٢، وابن ماجة في الطهارة باب ٧٦، وأحمد في المسند ٣/ ١٥ - ١٦، ٣١، ٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>