للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ احتج بهذه من ذهب إلى رأي المعتزلة ممن لا يفرق بين مسمى الإيمان والإسلام، لأنه أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين، وهذا الاستدلال ضعيف لأن هؤلاء كانوا قوما مؤمنين، وعندنا أن كل مؤمن مسلم ولا ينعكس فاتفق الاسمان هاهنا لخصوصية الحال، ولا يلزم ذلك في كل حال، وقوله تعالى: ﴿وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ﴾ أي جعلناها عبرة لما أنزلنا بهم من العذاب والنكال وحجارة السجيل، وجعلنا محلتهم بحيرة منتنة خبيثة، ففي ذلك عبرة للمؤمنين الذين ﴿يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ﴾

[[سورة الذاريات (٥١): الآيات ٣٨ إلى ٤٦]]

﴿وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اِسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦)

يقول تعالى: ﴿وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ أي بدليل باهر وحجة قاطعة ﴿فَتَوَلّى بِرُكْنِهِ﴾ أي فأعرض فرعون عما جاءه به موسى من الحق المبين استكبارا وعنادا. وقال مجاهد: تعزز بأصحابه، وقال قتادة: غلب عدو الله على قومه، وقال ابن زيد ﴿فَتَوَلّى بِرُكْنِهِ﴾ أي بجموعه التي معه ثم قرأ ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ والمعنى الأول قوي كقوله تعالى: ﴿ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾ [الحج: ٩] أي معرض عن الحق مستكبر ﴿وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ أي لا يخلو أمرك فيما جئتني به من أن تكون ساحرا أو مجنونا قال الله تعالى: ﴿فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ﴾ أي ألقيناهم ﴿فِي الْيَمِّ﴾ وهو البحر ﴿وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ أي وهو ملوم كافر جاحد فاجر معاند.

ثم قال ﷿ ﴿وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾ أي المفسدة التي لا تنتج شيئا قاله الضحاك وقتادة وغيرهما ولهذا قال تعالى: ﴿ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ﴾ أي مما تفسده الريح ﴿إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ أي كالشيء الهالك البالي، وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب، حدثنا عمي عبد الله بن وهب، حدثني عبد الله يعني ابن عياش القتباني، حدثني عبد الله بن سليمان عن دراج عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : «الريح مسخرة من الثانية-يعني من الأرض الثانية-، فلما أراد الله تعالى أن يهلك عادا أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عادا قال أي رب أرسل عليهم الريح قدر منخر الثور؟ قال له الجبار لا إذا تكفأ الأرض ومن عليها ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم فهي التي قال الله ﷿ في كتابه: ﴿ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ هذا الحديث رفعه منكر والأقرب أن يكون موقوفا على

<<  <  ج: ص:  >  >>