للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومسخرها ومقدرها ومدبرها، الذي بيده ملكوت كل شيء وخالق كل شيء، وربه ومليكه وإلهه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٥٤] وكيف يجوز أن يكون إبراهيم ناظرا في هذا المقام. وهو الذي قال الله في حقه ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنّا بِهِ عالِمِينَ إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ﴾ [الأنبياء: ٥١ - ٥٢] الآيات، وقال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل: ١٢٠ - ١٢٣] وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ١٦١].

وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة، عن رسول الله أنه قال: «كل مولود يولد على الفطرة» (١) وفي صحيح مسلم، عن عياض بن حماد، أن رسول الله قال: «قال الله إني خلقت عبادي حنفاء» (٢) وقال الله في كتابه العزيز ﴿فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ﴾ [الروم: ٣٠] وقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى﴾ [الأعراف: ١٧٢] ومعناه على أحد القولين كقوله ﴿فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها﴾ كما سيأتي بيانه. فإذا كان هذا في حق سائر الخليقة، فكيف يكون إبراهيم الخليل الذي جعله الله أمة قانتا لله حنيفا، ولم يك من المشركين، ناظرا في هذا المقام، بل هو أولى الناس بالفطرة السليمة والسجية المستقيمة، بعد رسول الله بلا شك ولا ريب، ومما يؤيد أنه كان في هذا المقام مناظرا لقومه فيما كانوا فيه من الشرك لا ناظرا قوله تعالى.

[[سورة الأنعام (٦): الآيات ٨٠ إلى ٨٣]]

﴿وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠) وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢) وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)

يقول تعالى مخبرا عن خليله إبراهيم، حين جادله قومه فيما ذهب إليه من التوحيد وناظروه بشبه من القول، أنه قال ﴿أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ﴾ أي تجادلونني في أمر الله، وأنه لا إله


(١) صحيح البخاري (جنائز باب ٩٢) وصحيح مسلم (قدر حديث ٢٥)
(٢) صحيح مسلم (جنة حديث ٦٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>