للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ثُمَّ قال تَعَالَى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ كقوله تَعَالَى: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الْحَجِّ: ٦٥] وَقَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا [فَاطِرٍ: ٤١] . وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا اجْتَهَدَ فِي الْيَمِينِ يَقُولُ: لَا وَالَّذِي تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ، أَيْ هِيَ قَائِمَةٌ ثَابِتَةٌ بِأَمْرِهِ لَهَا وَتَسْخِيرِهِ إِيَّاهَا، ثُمَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بدلت الأرض غير الأرض والسموات، وَخَرَجَتِ الْأَمْوَاتُ مِنْ قُبُورِهَا أَحْيَاءً بِأَمْرِهِ تَعَالَى ودعائه إياهم، ولهذا قال تعالى: ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا [الْإِسْرَاءِ: ٥٢] وَقَالَ تَعَالَى: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [النازعات: ١٣- ١٤] وقال تعالى: إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ [يس: ٥٣] .

[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]

وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)

يَقُولُ تَعَالَى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَيْ مِلْكُهُ وَعَبِيدُهُ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ أَيْ خَاضِعُونَ خَاشِعُونَ طَوْعًا وَكَرْهًا. وَفِي حَدِيثِ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «كُلُّ حَرْفٍ فِي الْقُرْآنِ يُذْكَرُ فِيهِ الْقُنُوتُ فهو الطاعة» «١» وقوله وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي أَيْسَرُ عَلَيْهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْإِعَادَةُ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنَ البداءة، والبداءة عليه هينة، وكذا قال عكرمة وغيره.

وروى الْبُخَارِيُّ «٢» : حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «قَالَ اللَّهُ كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلِيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ» انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ، كَمَا انْفَرَدَ بِرِوَايَتِهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مُنْفَرِدًا بِهِ عَنْ حَسَنِ بْنِ مُوسَى عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ:

حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ أَوْ مِثْلِهِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: كِلَاهُمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقُدْرَةِ على السواء. وقال الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلٌّ عَلَيْهِ هَيِّنٌ، وكذا قاله الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ، وَمَالَ إِلَيْهِ ابْنُ جَرِيرٍ وَذَكَرَ عَلَيْهِ شَوَاهِدَ كَثِيرَةً، قَالَ:

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ إِلَى الْخَلْقِ، أَيْ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَى الْخَلْقِ.


(١) أخرجه أحمد في المسند ٣/ ٧٥.
(٢) كتاب التفسير، تفسير سورة ١١٢، باب ١، ٢، وأخرجه أيضا أحمد في المسند ٢/ ٣٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>