للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْرِي﴾ -إلى قوله- ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى﴾ [طه: ٢٥ - ٢٦].

وقوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ أي بسبب قتل ذلك القبطي الذي كان سبب خروجه من بلاد مصر ﴿قالَ كَلاّ﴾ أي قال الله له: لا تخف من شيء من ذلك كقوله ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً﴾ -أي برهانا- ﴿فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ﴾ [القصص: ٣٥] ﴿فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ﴾ كقوله ﴿إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى﴾ [طه: ٤٦] أي إنني معكما بحفظي وكلاءتي ونصري وتأييدي.

﴿فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ كقوله في الآية الأخرى ﴿إِنّا رَسُولا رَبِّكَ﴾ أي كل منا أرسل إليك ﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ أي أطلقهم من إسارك وقبضتك وقهرك وتعذيبك، فإنهم عباد الله المؤمنون وحزبه المخلصون، وهم معك في العذاب المهين، فلما قال له موسى ذلك أعرض فرعون هنا لك بالكلية، ونظر إليه بعين الازدراء والغمص، فقال ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً﴾ الآية، أي أما أنت الذي ربيناه فينا وفي بيتنا وعلى فراشنا، وأنعمنا عليه مدة من السنين، ثم بعد هذا قابلت ذلك الإحسان بتلك الفعلة أن قتلت منا رجلا، وجحدت نعمتنا عليك، ولهذا قال ﴿وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ﴾ أي الجاحدين. قاله ابن عباس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جرير (١)، ﴿قالَ فَعَلْتُها إِذاً﴾ أي في تلك الحال ﴿وَأَنَا مِنَ الضّالِّينَ﴾ أي قبل أن يوحى إلي وينعم الله علي بالرسالة والنبوة.

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم ﴿وَأَنَا مِنَ الضّالِّينَ﴾ أي الجاهلين. قال ابن جريج: وهو كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ الآية، أي انفصل الحال الأول وجاء أمر آخر، فقد أرسلني الله إليك فإن أطعته سلمت، وإن خالفته عطبت، ثم قال موسى ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ أي وما أحسنت إلي وربيتني مقابل ما أسأت إلى بني إسرائيل فجعلتهم عبيدا وخدما تصرفهم في أعمالك ومشاق رعيتك، أفيفي إحسانك إلى رجل واحد منهم بما أسأت إلى مجموعهم، أي ليس ما ذكرته شيئا بالنسبة إلى ما فعلت بهم.

[[سورة الشعراء (٢٦): الآيات ٢٣ إلى ٢٨]]

﴿قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨)

يقول تعالى مخبرا عن كفر فرعون وتمرده وطغيانه وجحوده في قوله ﴿وَما رَبُّ الْعالَمِينَ﴾


(١) تفسير الطبري ٩/ ٤٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>