للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النجوى صدقة فلما نزلت الزكاة نسخ هذا وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله:

﴿فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً﴾ وذلك أن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله حتى شقوا عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيه ، فلما قال ذلك جبن كثير من المسلمين وكفوا عن المسألة، فأنزل الله بعد هذا ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ﴾ فوسع الله عليهم ولم يضيق.

وقال عكرمة والحسن البصري في قوله تعالى: ﴿فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً﴾ نسختها الآية التي بعدها ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ﴾ إلى آخرها. وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ومقاتل بن حيان: سأل الناس رسول الله حتى أحفوه بالمسألة ففطمهم الله بهذه الآية، فكان الرجل منهم إذا كانت له الحاجة إلى نبي الله فلا يستطيع أن يقضيها حتى يقدم بين يديه صدقة، فاشتد ذلك عليهم، فأنزل الله الرخصة بعد ذلك ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

وقال معمر عن قتادة ﴿إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً﴾ إنها منسوخة ما كانت إلا ساعة من نهار. وهكذا روى عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن أيوب عن مجاهد قال علي: ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت، وأحسبه قال: وما كانت إلا ساعة.

[[سورة المجادلة (٥٨): الآيات ١٤ إلى ١٩]]

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٥) اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٦) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٧) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٨) اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩)

يقول الله تعالى منكرا على المنافقين في موالاتهم الكفار في الباطن. وهم في نفس الأمر لا معهم ولا مع المؤمنين كما قال تعالى: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾ [النساء: ١٤٣] وقال هاهنا: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ﴾ يعني اليهود الذين كان المنافقون يمالئونهم ويوالونهم في الباطن ثم قال تعالى:

﴿ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ﴾ أي هؤلاء المنافقون ليسوا في الحقيقة لا منكم أيها المؤمنون، ولا من الذين يوالونهم وهم اليهود، ثم قال تعالى: ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ يعني المنافقين يحلفون على الكذب، وهم عالمون بأنهم كاذبون فيما حلفوا وهي اليمين الغموس، ولا سيما في مثل حالهم اللعين عياذا بالله منه، فإنهم كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا جاءوا الرسول حلفوا له بالله أنهم مؤمنون، وهم في ذلك يعلمون أنهم يكذبون فيما حلفوا به، لأنهم لا يعتقدون صدق ما قالوه وإن كان في نفس الأمر مطابقا، ولهذا شهد الله

<<  <  ج: ص:  >  >>