للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال السدي: ظاهره الزنا مع البغايا ذوات الرايات، وباطنه الزنا مع الخليلة والصدائق والأخدان، وقال عكرمة: ظاهره نكاح ذوات المحارم (١).

والصحيح أن الآية عامة في ذلك كله، وهي كقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ﴾ [الأعراف: ٣٣] الآية، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ﴾ أي سواء كان ظاهرا أو خفيا، فإن الله سيجزيهم عليه.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه، عن النواس بن سمعان قال: سألت رسول الله عن الإثم، فقال «الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع الناس عليه».

[[سورة الأنعام (٦): آية ١٢١]]

﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اِسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١)

استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب إلى أن الذبيحة لا تحل إذا لم يذكر اسم الله عليها، وإن كان الذابح مسلما، وقد اختلف الأئمة في هذه المسألة، على ثلاثة أقوال:

فمنهم من قال لا تحل هذه الذبيحة بهذه الصفة، وسواء متروك التسمية عمدا أو سهوا، وهو مروي عن ابن عمر، ونافع مولاه، وعامر الشعبي، ومحمد بن سيرين، وهو رواية عن الإمام مالك، ورواية عن أحمد بن حنبل نصرها طائفة من أصحابه المتقدمين والمتأخرين، وهو اختيار أبي ثور، وداود الظاهري، واختار ذلك أبو الفتوح محمد بن محمد بن علي الطائي، من متأخري الشافعية، في كتابه «الأربعين»، واحتجوا لمذهبهم هذا بهذه الآية، وبقوله في آية الصيد ﴿فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤] ثم قد أكد في هذه الآية بقوله ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ والضمير قيل عائد على الأكل، وقيل عائد على الذبح، لغير الله، وبالأحاديث الواردة في الأمر بالتسمية عند الذبيحة والصيد، كحديثي عدي بن حاتم وأبي ثعلبة: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك» (٢) وهما في الصحيحين، وحديث رافع بن خديج «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه» (٣) وهو في الصحيحين أيضا، وحديث ابن مسعود: أن رسول الله قال للجن «لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه» (٤) رواه مسلم، وحديث جندب بن سفيان البجلي قال: قال رسول الله «من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى، ومن لم يكن ذبح، حتى صلينا فليذبح باسم


(١) ينظر تفسير الطبري ٥/ ٣٢٣ - ٣٢٤.
(٢) صحيح البخاري (وضوء باب ٣٣) وصحيح مسلم (صيد حديث ١)
(٣) صحيح البخاري (ذبائح باب ١٥) وصحيح مسلم (أضاحي حديث ٢٠)
(٤) صحيح مسلم (صلاة حديث ١٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>