للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفي السلم أعيارا جفاء وغلظة … وفي الحرب أشباه النساء العوارك؟ (١)

وقال تعالى في الآية الأخرى ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ﴾ [محمد: ٢٠ - ٢١] الآية، وقوله ﴿وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ أي بسبب نكولهم عن الجهاد والخروج مع الرسول في سبيل الله ﴿فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ﴾ أي لا يفهمون ما فيه صلاح لهم فيفعلوه ولا ما فيه مضرة لهم فيجتنبوه.

[[سورة التوبة (٩): الآيات ٨٨ إلى ٨٩]]

﴿لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩)

لما ذكر تعالى ذنب المنافقين وبين ثناءه على المؤمنين ومالهم في آخرتهم، فقال ﴿لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا﴾ إلى آخر الآيتين من بيان حالهم ومآلهم، وقوله: ﴿وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ﴾ أي في الدار الآخرة في جنات الفردوس والدرجات العلى.

[[سورة التوبة (٩): آية ٩٠]]

﴿وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٠)

ثم بين تعالى حال ذوي الأعذار في ترك الجهاد الذين جاءوا رسول الله يعتذرون إليه ويبينون له ما هم فيه من الضعف وعدم القدرة على الخروج وهم من أحياء العرب ممن حول المدينة. قال الضحاك عن ابن عباس، إنه كان يقرأ ﴿وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ﴾ بالتخفيف ويقول: هم أهل العذر. وكذا روى ابن عيينة عن حميد عن مجاهد سواء، قال ابن إسحاق: وبلغني أنهم نفر من بني غفار خفاف بن إيماء بن رحضة (٢).

وهذا القول هو الأظهر في معنى الآية، لأنه قال بعد هذا ﴿وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي لم يأتوا فيعتذروا، وقال ابن جريج عن مجاهد ﴿وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ﴾ قال: نفر من بني غفار جاءوا فاعتذروا فلم يعذرهم الله، وكذا قال الحسن وقتادة ومحمد بن إسحاق والقول الأول أظهر والله أعلم، لما قدمنا من قوله بعده ﴿وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي وقعد آخرون من الأعراب عن المجيء للاعتذار ثم أوعدهم بالعذاب الأليم فقال:


(١) البيت لهند بنت عتبة في خزانة الأدب ٣/ ٢٦٣، والمقاصد النحوية ٣/ ١٤٢، وبلا نسبة في شرح أبيات سيبويه ١/ ٣٨٢، والكتاب ١/ ٣٤٤، ولسان العرب (عور)، (عير)، (عرك)، والمقتضب ٣/ ٢٦٥، والمقرب ١/ ٢٥٨، وتاج العروس (عرك)، وسيرة ابن هشام ١/ ٦٥٦.
(٢) انظر تفسير الطبري ٦/ ٤٤٤، ٤٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>