للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطاب ، كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه يقول: خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله في الدنيا، وما ادخر لك في الآخرة أفضل، ثم قرأ هذه الآية ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾. ثم وصفهم تعالى فقال: ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ أي صبروا على الأذى من قومهم متوكلين على الله الذي أحسن لهم العاقبة في الدنيا والآخرة.

[[سورة النحل (١٦): الآيات ٤٣ إلى ٤٤]]

﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤)

قال الضحاك: عن ابن عباس: لما بعث الله محمدا رسولا، أنكرت العرب ذلك أو من أنكر منهم وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا، فأنزل ﴿أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ﴾ [يونس: ٢] الآية، وقال: ﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ يعني أهل الكتب الماضية أبشرا كانت الرسل إليهم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أنكرتم وإن كانوا بشرا فلا تنكروا أن يكون محمد رسولا.

قال تعالى: ﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى﴾ ليسوا من أهل السماء كما قلتم، وكذا روي عن مجاهد عن ابن عباس أن المراد بأهل الذكر أهل الكتاب، وقاله مجاهد والأعمش، وقول عبد الرحمن بن زيد: الذكر القرآن، واستشهد بقوله: ﴿إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩] صحيح، لكن ليس هو المراد هاهنا، لأن المخالف لا يرجع في إثباته بعد إنكاره إليه، وكذا قول أبي جعفر الباقر: نحن أهل الذكر، ومراده أن هذه الأمة أهل الذكر، صحيح فإن هذه الأمة أعلم من جميع الأمم السالفة.

وعلماء أهل بيت رسول الله والرحمة من خير العلماء إذا كانوا على السنة المستقيمة كعلي وابن عباس وابني علي الحسن والحسين، ومحمد ابن الحنفية وعلي بن الحسين زين العابدين، وعلي بن عبد الله بن عباس، وأبي جعفر الباقر وهو محمد بن علي بن الحسين وجعفر ابنه، وأمثالهم وأضرابهم وأشكالهم ممن هو متمسك بحبل الله المتين وصراطه المستقيم، وعرف لكل ذي حق حقه ونزل كل المنزل الذي أعطاه الله ورسوله واجتمعت عليه قلوب عباده المؤمنين، والغرض أن هذه الآية الكريمة أخبرت بأن الرسل الماضين قبل محمد كانوا بشرا كما هو بشر، كما قال تعالى: ﴿قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً وَما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً﴾ [الإسراء: ٩٣ - ٩٤] وقال تعالى: ﴿وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ﴾ [الفرقان: ٢٠] وقال تعالى: ﴿وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>