وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة داود ﵊ من طريق إسحاق بن بشر، وفيه كلام، عن أبي إلياس عن وهب بن منبه ما مضمونه أن داود ﵇ كان يخرج متنكرا، فيسأل الركبان عنه وعن سيرته، فلا يسأل أحدا إلا أثنى عليه خيرا في عبادته وسيرته وعدله ﵇. قال وهب: حتى بعث الله تعالى ملكا في صورة رجل، فلقيه داود ﵊ فسأله كما كان يسأل غيره، فقال: هو خير الناس لنفسه ولأمته، إلا أن فيه خصلة لو لم تكن فيه كان كاملا. قال: ما هي قال: يأكل ويطعم عياله من مال المسلمين، يعني بيت المال، فعند ذلك نصب داود ﵇ إلى ربه ﷿ في الدعاء أن يعلمه عملا بيده يستغني به ويغني به عياله، فألان الله ﷿ له الحديد، وعلمه صنعة الدروع، فعمل الدروع، وهو أول من عملها، فقال الله تعالى: ﴿أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ يعني مسامير الحلق.
قال: وكان يعمل الدرع، فإذا ارتفع من عمله درع باعها فتصدق بثلثها، واشترى بثلثها ما يكفيه وعياله، وأمسك الثلث يتصدق به يوما بيوم إلى أن يعمل غيرها، وقال: إن الله أعطى داود شيئا لم يعطه غيره من حسن الصوت، إنه كان إذا قرأ الزبور تجتمع الوحوش إليه حتى يؤخذ بأعناقها وما تنفر، وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج، إلا على أصناف صوته ﵇، وكان شديد الاجتهاد، وكان إذا افتتح الزبور بالقراءة كأنما ينفخ في المزامير، وكان قد أعطي سبعين مزمارا في حلقه. وقوله تعالى: ﴿وَاعْمَلُوا صالِحاً﴾ أي في الذي أعطاكم الله تعالى من النعم ﴿إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي مراقب لكم بصير بأعمالكم وأقوالكم، لا يخفى علي من ذلك شيء.
لما ذكر تعالى ما أنعم به على داود، عطف بذكر ما أعطى ابنه سليمان عليهما الصلاة والسلام من تسخير الريح له، تحمل بساطه غدوها شهر ورواحها شهر. قال الحسن البصري:
كان يغدو على بساطه من دمشق، فينزل باصطخر يتغذى بها ويذهب رائحا من إصطخر فيبيت بكابل، وبين دمشق وإصطخر شهر كامل للمسرع وبين إصطخر وكابل شهر كامل للمسرع.
وقوله تعالى: ﴿وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ قال ابن عباس ﵄ ومجاهد وعكرمة وعطاء الخراساني وقتادة والسدي ومالك عن زيد بن أسلم، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد: القطر النحاس. قال قتادة: وكانت باليمن، فكل ما يصنع الناس مما أخرج الله تعالى لسليمان ﵇ قال السدي: وإنما أسيلت له ثلاثة أيام. وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ أي وسخرنا له الجن يعملون بين يديه بإذن ربه. أي بقدره