يقول تعالى مخبرا عن الخليل ﵇ أنه أرشدهم إلى إثبات المعاد الذي ينكرونه بما يشاهدونه في أنفسهم من خلق الله إياهم بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا، ثم وجدوا وصاروا أناسا سامعين مبصرين، فالذي بدأ هذا قادر على إعادته، فإنه سهل عليه يسير لديه، ثم أرشدهم إلى الاعتبار بما في الآفاق من الآيات المشاهدة من خلق الله الأشياء: السموات وما فيها من الكواكب النيرة الثوابت والسيارات، والأرضين وما فيها من مهاد وجبال، وأودية وبراري وقفار، وأشجار وأنهار، وثمار وبحار، كل ذلك دال على حدوثها في أنفسها، وعلى وجود صانعها الفاعل المختار، الذي يقول للشيء كن فيكون.
وقوله تعالى: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ﴾ أي هو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فله الخلق والأمر مهما فعل فعدل، لأنه المالك الذي لا يظلم مثقال ذرة، كما جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن «إن الله لو عذب أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم»(١) ولهذا قال تعالى: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ أي ترجعون يوم القيامة.
وقوله تعالى: ﴿وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ﴾ أي لا يعجزه أحد من أهل سمواته وأرضه، بل هو القاهر فوق عباده، فكل شيء خائف منه فقير إليه، وهو الغني عما سواه ﴿وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ﴾ أي جحدوها
(١) أخرجه أبو داود في السنة باب ١٦، وابن ماجة في المقدمة باب ١٠، وأحمد في المسند ٥/ ١٨٢، ١٨٥، ١٨٦.