للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة الأنعام (٦): الآيات ١٧ إلى ٢١]]

﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ (١٩) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ اِفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ (٢١)

يقول تعالى مخبرا: أنه مالك الضر والنفع، وأنه المتصرف في خلقه بما يشاء، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ كقوله تعالى: ﴿ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [فاطر: ٢] الآية، وفي الصحيح: أن رسول الله كان يقول «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» (١) ولهذا قال تعالى:

﴿وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ﴾ أي وهو الذي خضعت له الرقاب، وذلت له الجبابرة، وعنت له لوجوه، وقهر كل شيء، ودانت له الخلائق، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه، وعظمته وعلوه، وقدرته على الأشياء، واستكانت وتضاءلت بين يديه، وتحت قهره وحكمه، ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ﴾ أي في جميع أفعاله ﴿الْخَبِيرُ﴾ بمواضع الأشياء ومحالها، فلا يعطي إلا من يستحق، ولا يمنح إلا من يستحق.

ثم قال ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً﴾ أي من أعظم الأشياء شهادة ﴿قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ أي هو العالم بما جئتكم به، وما أنتم قائلون لي، ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ أي وهو نذير لكل من بلغه، كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هود: ١٧] قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وكيع وأبو أسامة، وأبو خالد، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب، في قوله: ﴿وَمَنْ بَلَغَ﴾ من بلغه القرآن، فكأنما رأى النبي ، زاد أبو خالد وكلمه.

ورواه ابن جرير (٢) من طريق أبي معشر: عن محمد بن كعب، قال: من بلغه القرآن، فقد أبلغه محمد ، وقال عبد الرزاق: عن معمر عن قتادة، في قوله تعالى: ﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ إن رسول الله قال «بلغوا عن الله فمن بلغته آية من كتاب الله، فقد بلغه أمر الله» وقال الربيع بن أنس: حق على من اتبع رسول الله ، أن يدعو كالذي دعا رسول الله ، وأن ينذر بالذي أنذر.

وقوله ﴿أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ﴾ أيها المشركون ﴿أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ﴾ كقوله ﴿فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ﴾ ﴿قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ﴾.

ثم قال تعالى مخبرا عن أهل الكتاب: أنهم يعرفون هذا الذي جئتهم به، كما يعرفون أبناءهم بما عندهم من الأخبار والأنباء، عن المرسلين المتقدمين والأنبياء، فإن الرسل كلهم


(١) صحيح البخاري (أذان باب ١٥٥ واعتصام باب ٣ ودعوات باب ١٧) وصحيح مسلم (صلاة حديث ١٩٤ ومساجد حديث ١٣٧ - ١٣٨)
(٢) تفسير الطبري ٥/ ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>