للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البزار وابن أبي حاتم من طريقين عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: يعني تقلبه من صلب نبي إلى صلب نبي حتى أخرجه نبيا. وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ أي السميع لأقوال عباده، العليم بحركاتهم وسكناتهم، كما قال تعالى: ﴿وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاّ كُنّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ [يونس: ٦١] الآية.

[[سورة الشعراء (٢٦): الآيات ٢٢١ إلى ٢٢٧]]

﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَاِنْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧)

يقول تعالى مخاطبا لمن زعم من المشركين أن ما جاء به الرسول ليس بحق، وأنه شيء افتعله من تلقاء نفسه، أو أنه أتاه به رئي (١) من الجان، فنزه الله جناب رسوله عن قولهم وافترائهم، ونبه أن ما جاء به إنما هو من عند الله، وأنه تنزيله ووحيه، نزل به ملك كريم أمين عظيم، وأنه ليس من قبل الشياطين، فإنهم ليس لهم رغبة في مثل هذا القرآن العظيم وإنما ينزلون على من يشاكلهم ويشابههم من الكهان الكذبة، ولهذا قال الله تعالى: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ﴾ أي أخبركم ﴿عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ﴾ أي كذوب في قوله وهو الأفاك ﴿أَثِيمٍ﴾ وهو الفاجر في أفعاله. فهذا هو الذي تنزل عليه الشياطين من الكهان، وما جرى مجراهم من الكذبة الفسقة، فإن الشياطين أيضا كذبة فسقة ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ﴾ أي يسترقون السمع من السماء، فيسمعون الكلمة من علم الغيب، فيزيدون معها مائة كذبة، ثم يلقونها إلى أوليائهم من الإنس، فيحدثون بها فيصدقهم الناس في كل ما قالوه بسبب صدقهم في تلك الكلمة التي سمعت من السماء، كما صح بذلك الحديث.

كما رواه البخاري من حديث الزهري: أخبرني يحيى بن عروة بن الزبير أنه سمع عروة بن الزبير يقول: قالت عائشة : سأل ناس النبي عن الكهان، فقال «إنهم ليسوا بشيء» قالوا: يا رسول الله فإنهم يحدثون بالشيء يكون حقا، فقال النبي «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليه كقرقرة الدجاج، فيخلطون معها أكثر من مائة كذبة» (٢).

وروى البخاري أيضا: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت أبا هريرة يقول: إن النبي قال «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة


(١) الرئي: التابع من الجن، الذي يتراءى لمتبوعه.
(٢) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>