للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنها سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ [قالوا للذي قال]: الحق، وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا بعضهم فوق بعض-وصف سفيان بيده، فحرفها وبدد بين أصابعه-فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء» تفرد به البخاري (١). وروى مسلم من حديث الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس، عن رجال من الأنصار قريبا من هذا، وسيأتي عند قوله تعالى في سبأ ﴿حَتّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ: ٢٣] الآية.

وقال البخاري: وقال الليث: حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن أبا الأسود أخبره عن عروة عن عائشة، عن النبي أنه قال «إن الملائكة تحدث في العنان-والعنان:

الغمام-بالأمر في الأرض، فتسمع الشياطين الكلمة، فتقرها في أذن الكاهن كما تقر القارورة، فيزيدون معها مائة كذبة» (٢). ورواه البخاري في موضع آخر في كتاب بدء الخلق عن سعيد بن أبي مريم، عن الليث عن عبد الله بن أبي جعفر عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن، عن عروة عن عائشة بنحوه.

وقوله تعالى: ﴿وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ﴾ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعني الكفار يتبعهم ضلال الإنس والجن، وكذا قال مجاهد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهما. وقال عكرمة: كان الشاعران يتهاجيان فينتصر لهذا فئام من الناس (٣)، ولهذا فئام من الناس، فأنزل الله تعالى: ﴿وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ﴾. وقال الإمام أحمد (٤): حدثنا قتيبة، حدثنا ليث عن ابن الهاد عن يحنّس مولى مصعب بن الزبير، عن أبي سعيد قال: بينما نحن نسير مع رسول الله بالعرج إذ عرض شاعر ينشد، فقال النبي «خذوا الشيطان-أو أمسكوا الشيطان-لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا».

وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ﴾ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: في كل لغو يخوضون (٥). وقال الضحاك عن ابن عباس: في كل فن من الكلام، وكذا قال مجاهد وغيره. وقال الحسن البصري: قد والله رأينا أوديتهم التي يهيمون فيها مرة في شتمه فلان،


(١) كتاب التفسير، تفسير سورة ١٥، باب ١، وسورة ٣٤، باب ١.
(٢) أخرجه البخاري في بدء الخلق باب ٦، ١١.
(٣) فئام من الناس: أي جماعات من الناس.
(٤) المسند ٣/ ٨، ٤١.
(٥) انظر تفسير الطبري ٩/ ٤٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>