للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال العوفي عن ابن عباس: قالت طائفة من أهل الكتاب: إذا لقيتم أصحاب محمد أول النهار فآمنوا، وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلم منا، وهكذا روي عن قتادة والسدي والربيع وأبي مالك.

وقوله تعالى: ﴿وَلا تُؤْمِنُوا إِلاّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ أي لا تطمئنوا أو تظهروا سركم وما عندكم إلا لمن تبع دينكم، ولا تظهروا ما بأيديكم إلى المسلمين فيؤمنوا به ويحتجوا به عليكم قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ﴾ أي هو الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى أتم الإيمان بما ينزله على عبده ورسوله محمد من الآيات البينات، والدلائل القاطعات، والحجج الواضحات؛ وإن كتمتم أيها اليهود ما بأيديكم من صفة محمد النبي الأمي في كتبكم التي نقلتموها عن الأنبياء الأقدمين.

وقوله ﴿أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ يقولون: لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين، فيتعلموه منكم، ويساووكم فيه ويمتازوا به عليكم لشدة الإيمان به، أو يحاجوكم به عند ربكم، أي يتخذوه حجة عليكم بما في أيديكم، فتقوم به عليكم الدلالة، وتتركب الحجة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ﴾ أي الأمور كلها تحت تصرفه، وهو المعطي المانع، يمن على من يشاء بالإيمان والعلم والتصور التام، ويضل من يشاء فيعمي بصره وبصيرته، ويختم على قلبه وسمعه، ويجعل على بصره غشاوة، وله الحجة التامة والحكمة البالغة ﴿وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ* يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ أي اختصكم أيها المؤمنون من الفضل بما لا يحد ولا يوصف بما شرف به نبيكم محمدا على سائر الأنبياء، وهداكم به إلى أكمل الشرائع.

[[سورة آل عمران (٣): الآيات ٧٥ إلى ٧٦]]

﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاِتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦)

يخبر تعالى عن اليهود بأن منهم الخونة ويحذر المؤمنين من الاغترار بهم، فإن منهم ﴿مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ﴾ أي من المال ﴿يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ أي وما دونه بطريق الأولى أن يؤديه إليه ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً﴾ أي بالمطالبة والملازمة والإلحاح في استخلاص حقك، وإذا كان هذا صنيعه في الدينار فما فوقه أولى أن لا يؤديه إليه.

وقد تقدم الكلام على القنطار في أول السورة، وأما الدينار فمعروف. وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا سعيد بن عمرو السكوني، حدثنا بقية عن زياد بن الهيثم، حدثنا مالك بن دينار، قال: إنما سمي الدينار لأنه دين ونار وقيل: معناه من أخذه بحقه فهو دينه، ومن أخذه بغير

<<  <  ج: ص:  >  >>