للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعاها، وسواء لديها من دعاها ومن دحاها، كما قال إبراهيم ﴿يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً﴾ [مريم: ٤٢] ثم ذكر تعالى أنها عبيد مثل عابديها أي مخلوقات مثلهم، بل الأناس أكمل منها لأنها تسمع وتبصر وتبطش، وتلك لا تفعل شيئا من ذلك.

وقوله ﴿قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ﴾ الآية، أي استنصروا بها علي فلا تؤخروني طرفة عين، واجهدوا جهدكم ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصّالِحِينَ﴾ أي الله حسبي وكافيّ، وهو نصيري وعليه متكلي وإليه ألجأ، وهو وليي في الدنيا والآخرة وهو ولي كل صالح بعدي وهذا كما قال هود لما قال له قومه ﴿إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٤ - ٥٦] وكقول الخليل ﴿أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاّ رَبَّ الْعالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ [الشعراء: ٧٥ - ٧٨] الآيات، وكقوله لأبيه وقومه ﴿إِنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الزخرف: ٢٦ - ٢٨].

وقوله ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ إلى آخر الآية، مؤكد لما تقدم إلا أنه بصيغة الخطاب وذلك بصيغة الغيبة، ولهذا قال ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾، وقوله ﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ كقوله تعالى: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ﴾ [فاطر: ١٤] الآية. وقوله ﴿وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ إنما قال ﴿يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ﴾ أي يقابلونك بعيون مصورة كأنها ناظرة وهي جماد، ولهذا عاملهم معاملة من يعقل لأنها على صورة مصورة كالإنسان ﴿وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ﴾، فعبر عنها بضمير من يعقل، وقال السدي: المراد بهذا المشركون، وروي عن مجاهد نحوه، والأول أولى، وهو اختيار ابن جرير، وقاله قتادة.

[[سورة الأعراف (٧): الآيات ١٩٩ إلى ٢٠٠]]

﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠)

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ يعني خذ ما عفي لك من أموالهم وما أتوك به من شيء فخذه، وكان هذا قبل أن تنزل براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها وما انتهت إليه الصدقات، قاله السدي. وقال الضحاك عن ابن عباس ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ أنفق الفضل، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ قال: الفضل. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ أمره الله بالعفو والصفح عن المشركين عشر سنين، ثم أمره

<<  <  ج: ص:  >  >>