للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[العنكبوت: ٢٦] فآتاه الله حكما وعلما، وأوحى إليه وجعله نبيا وبعثه إلى سدوم وأعمالها، فخالفوه وكذبوه، فأهلكهم الله ودمر عليهم، كما قص خبرهم في غير موضع من كتابه العزيز، ولهذا قال: ﴿وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصّالِحِينَ﴾.

[[سورة الأنبياء (٢١): الآيات ٧٦ إلى ٧٧]]

﴿وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧)

يخبر تعالى عن استجابته لعبده ورسوله نوح حين دعا على قومه لما كذبوه ﴿فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القمر: ١٠] ﴿وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاّ فاجِراً كَفّاراً﴾ [نوح: ٢٦ - ٢٧] ولهذا قال هاهنا:

﴿إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ﴾ أي الذين آمنوا به، كما قال: ﴿وَأَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠]. وقوله: ﴿مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ أي من الشدة والتكذيب والأذى، فإنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله ﷿ فلم يؤمن به منهم إلا القليل، وكانوا يتصدون لأذاه ويتواصون قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل على خلافه، وقوله: ﴿وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ﴾ أي ونجيناه وخلصناه منتصرا من القوم ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي أهلكهم الله بعامة، ولم يبق على وجه الأرض منهم أحد، كما دعا عليهم نبيهم.

[[سورة الأنبياء (٢١): الآيات ٧٨ إلى ٨٢]]

﴿وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنّا فاعِلِينَ (٧٩) وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنّا لَهُمْ حافِظِينَ (٨٢)

قال ابن إسحاق عن مرة عن ابن مسعود: كان ذلك الحرث كرما قد تدلت عناقيده (١)، وكذا قال شريح. وقال ابن عباس: النفش الرعي. وقال شريح والزهري وقتادة: النفش لا يكون إلا بالليل، زاد قتادة: والهمل بالنهار. وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب وهارون بن إدريس الأصم، قالا حدثنا المحاربي عن أشعث عن أبي إسحاق عن مرة عن ابن مسعود في قوله:

﴿وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ﴾ قال: كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته، قال: فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان: غير هذا يا نبي الله: قال:


(١) انظر تفسير الطبري ٩/ ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>