للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأعدناهم خلقا جديدا، وهذا استدلال بالبداءة على الرجعة. وقال ابن زيد وابن جرير ﴿وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً﴾ أي وإذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم كقوله تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً﴾ [النساء: ١٣٣] وكقوله تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ﴾ [إبراهيم: ١٩ - ٢٠].

ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ﴾ يعني هذه السورة تذكرة ﴿فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾ أي طريقا ومسلكا أي من شاء اهتدى بالقرآن كقوله تعالى: ﴿وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً﴾ [النساء: ٣٩] الآية، ثم قال تعالى: ﴿وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ﴾ أي لا يقدر أحد أن يهدي نفسه ولا يدخل في الإيمان ولا يجر لنفسه نفعا ﴿إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾ أي عليم بمن يستحق الهداية فييسرها له ويقيض له أسبابها، ومن يستحق الغواية فيصرفه عن الهدى. وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾ ثم قال: ﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً﴾ أي يهدي من يشاء ويضل من يشاء فمن يهده فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

آخر تفسير سورة الإنسان، ولله الحمد والمنة.

[تفسير سورة المرسلات]

وهي مكية

قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي حدثنا الأعمش، حدثني إبراهيم عن الأسود عن عبد الله-هو ابن مسعود- قال: بينما نحن مع رسول الله في غار بمنى إذ نزلت عليه ﴿وَالْمُرْسَلاتِ﴾ فإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه وإن فاه لرطب بها إذ وثبت علينا حية، فقال النبي : «اقتلوها» فابتدرناها فذهبت فقال النبي : «وقيت شركم كما وقيتم شرها» (١) وأخرجه مسلم أيضا من طريق الأعمش.

وقال الإمام أحمد (٢): حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن أمه أنها سمعت النبي يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفا، وفي رواية مالك عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس أن أم الفضل سمعته يقرأ ﴿وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً﴾ فقالت: يا بني أذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعت من رسول الله يقرأ بها في المغرب (٣). أخرجاه في الصحيحين من طريق مالك به.


(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٧٧، باب ١، ومسلم في السّلام حديث ١٣٧.
(٢) المسند ٦/ ٣٣٨.
(٣) أخرجه البخاري في الأذان باب ٩٨، ومسلم في الصلاة حديث ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>