يخبر تعالى أنه يعلم غيب السماء والأرض، لا يخفى عليه شيء من ذلك، ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ﴾ أي يخلقكم في الأرحام كما يشاء من ذكر وأنثى، وحسن وقبيح، وشقي وسعيد، ﴿لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ أي هو الذي خلق، وهو المستحق للإلهية وحده لا شريك له، وله العزة التي لا ترام، والحكمة والأحكام. وهذه الآية فيها تعريض، بل تصريح بأن عيسى ابن مريم عبد مخلوق، كما خلق الله سائر البشر، لأن الله صوره في الرحم وخلقه كما يشاء، فكيف يكون إلها كما زعمته النصارى، عليهم لعائن الله، وقد تقلب في الأحشاء وتنقل من حال إلى حال؟ كما قال تعالى: ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ﴾ [الزمر: ٦].
يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات، هن أم الكتاب، أي بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم، فمن رد ما اشتبه إلى الواضح منه وحكم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى ومن عكس انعكس ولهذا قال تعالى ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ﴾ أي أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه ﴿وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ﴾ أي تحتمل دلالتها موافقة المحكم وقد تحتمل شيئا آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد.
وقد اختلفوا في المحكم والمتشابه فروي عن السلف عبارات كثيرة فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﵄: المحكمات ناسخه وحلاله وحرامه وأحكامه وحدوده وفرائضه وما يؤمر به ويعمل به وعن ابن عباس (١) أيضا أنه قال المحكمات قوله