تعالى: ﴿قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً﴾ [الأنعام: ١٥١] والآيات (١) بعدها. وقوله تعالى: ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ﴾ [الإسراء: ٢٣] إلى ثلاث آيات بعدها ورواه ابن أبي حاتم وحكاه عن سعيد بن جبير به قال: حدثنا أبي حدّثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن إسحاق بن سويد أن يحيى بن يعمر وأبا فاختة تراجعا في هذه الآية وهي ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ﴾ فقال أبو فاختة: فواتح السور، وقال يحيى بن يعمر: الفرائض والأمر والنهي والحلال والحرام.
وقال ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير: هنّ أمّ الكتاب لأنهنّ مكتوبات في جميع الكتب، وقال مقاتل بن حيان: لأنه ليس من أهل دين إلا يرضى بهنّ.
وقيل في المتشابهات: المنسوخة والمقدم منه والمؤخر والأمثال فيه والأقسام وما يؤمن به ولا يعمل به، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وقيل هي الحروف المقطعة في أوائل السور قاله مقاتل بن حيان، وعن مجاهد: المتشابهات يصدق بعضها بعضا وهذا إنما هو في تفسير قوله ﴿كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ﴾ [الزمر: ٢٣] هناك ذكروا أن المتشابه هو الكلام الذي يكون في سياق واحد والمثاني هو الكلام في شيئين متقالين كصفة الجنة وصفة النار وذكر حال الأبرار وحال الفجار ونحو ذلك. وأما هاهنا فالمتشابه هو الذي يقابل المحكم، وأحسن ما قيل فيه هو الذي قدمنا وهو الذي نص عليه محمد بن إسحاق بن يسار ﵀ حيث قال منه آيات محكمات فهن حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم الباطل ليس لهن تصريف عما وضعن عليه، قال: والمتشابهات في الصدق ليس لهن تصريف وتحريف وتأويل ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام ألا يصرفن إلى الباطل ويحرفن عن الحق.
ولهذا قال تعالى ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ أي ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل ﴿فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ﴾ أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرّفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافع لهم وحجة عليهم ولهذا قال الله تعالى: ﴿اِبْتِغاءَ الْفِتْنَةِ﴾ أي الإضلال لأتباعهم إيهاما لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم لا لهم كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وتركوا الاحتجاج بقوله ﴿إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ﴾ [الزخرف: ٥٩] وبقوله ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩] وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله وعبد ورسول من رسل الله.
(١) المراد الآيات ١٥٢ و ١٥٢ و ١٥٣ من سورة الأنعام كما جاء في تفسير الطبري.