للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصرية، وجرى له مع جبارها ما جرى حين أخذ سارة ليتخذها جارية، فصانها الله منه ومنعه منها بقدرته وسلطانه، فبشر إبراهيم ولده أنه سيولد من صلبه وذريته من يكون هلاك ملك مصر على يديه.

فكانت القبط تحدث بهذا عند فرعون، فاحترز فرعون من ذلك، وأمر بقتل ذكور بني إسرائيل ولن ينفع حذر من قدر، لأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، ولكل أجل كتاب، ولهذا قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ﴾ -إلى قوله- ﴿يَحْذَرُونَ﴾ وقد فعل تعالى ذلك بهم، كما قال تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ﴾ -إلى قوله- ﴿يَعْرِشُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٧]. وقال تعالى: ﴿كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ [الشعراء: ٥٩] أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه ذلك مع قدرة الملك العظيم الذي لا يخالف أمره القدري ولا يغلب، بل نفذ حكمه وجرى قلمه في القدم بأن يكون هلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده وقتلت بسببه ألوفا من الولدان، إنما منشؤه ومرباه على فراشك وفي دارك، وغذاؤه من طعامك وأنت تربيه وتدلله وتتفداه، وحتفك وهلاكك وهلاك جنودك على يديه، لتعلم أن رب السموات العلا هو القاهر الغالب العظيم القوي العزيز الشديد المحال، الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

[[سورة القصص (٢٨): الآيات ٧ إلى ٩]]

﴿وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (٨) وَقالَتِ اِمْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩)

ذكروا أن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بني إسرائيل، خافت القبط أن يفني بني إسرائيل، فيلون هم ما كانوا يلونه من الأعمال الشاقة، فقالوا لفرعون: إنه يوشك إن استمر هذا الحال أن يموت شيوخهم وغلمانهم يقتلون. ونساؤهم لا يمكن أن تقمن بما تقوم به رجالهم من الأعمال، فيخلص إلينا ذلك، فأمر بقتل الولدان عاما وتركهم عاما، فولد هارون في السنة التي يتركون فيها الولدان، وولد موسى في السنة التي يقتلون فيها الولدان، وكان لفرعون ناس موكلون بذلك، وقوابل يدرن على النساء، فمن رأينها قد حملت أحصوا اسمها، فإذا كان وقت ولادتها لا يقبلها إلا نساء القبط، فإن ولدت المرأة جارية تركنها وذهبن، وإن ولدت غلاما دخل أولئك الذباحون بأيديهم الشفار المرهفة فقتلوه ومضوا، قبحهم الله تعالى.

فلما حملت أم موسى به لم يظهر عليها مخايل الحمل كغيرها، ولم تفطن لها الدايات ولكن لما وضعته ذكرا ضاقت به ذرعا، وخافت عليه خوفا شديدا، وأحبته حبا زائدا، وكان موسى لا يراه أحد إلا أحبه، فالسعيد من أحبه طبعا وشرعا، قال الله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>