للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخراساني وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جرير.

وقوله تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ﴾ أي استمروا على تكذيب نبي الله هود ومخالفته وعناده، فأهلكهم الله وقد بين سبب إهلاكه إياهم في غير موضع من القرآن بأنه أرسل عليهم ريحا صرصرا عاتية، أي ريحا شديدة الهبوب، ذات برد شديد جدا، فكان سبب إهلاكهم من جنسهم، فإنهم كانوا أعتى شيء وأجبره، فسلط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ﴾ [الفجر: ٦ - ٧] وهم عاد الأولى، كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى﴾ [النجم: ٥٠] وهم من نسل إرم بن سام بن نوح ﴿ذاتِ الْعِمادِ﴾ الذين كانوا يسكنون العمد، ومن زعم أن إرم مدينة، فإنما أخذ ذلك من الإسرائيليات من كلام كعب ووهب، وليس لذلك أصل أصيل.

ولهذا قال ﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ﴾ أي لم يخلق مثل هذه القبيلة في قوتهم وشدتهم وجبروتهم، ولو كان المراد بذلك مدينة لقال: التي لم يبن مثلها في البلاد، وقال تعالى: ﴿فَأَمّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ﴾ [فصلت: ١٥] وقد قدمنا أن الله تعالى لم يرسل عليهم من الريح إلا مقدار أنف الثور، عتت على الخزنة، فأذن الله لها في ذلك، فسلكت فحصبت بلادهم، فحصبت كل شيء لهم، كما قال تعالى: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها﴾ [الأحقاف: ٢٥] الآية، وقال تعالى: ﴿وَأَمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ﴾ -إلى قوله- ﴿حُسُوماً﴾ -أي كاملة- ﴿فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٧] أي بقوا أبدانا بلا رؤوس، وذلك أن الريح كانت تأتي الرجل منهم فتقتلعه وترفعه في الهواء، ثم تنكسه على أم رأسه، فتشدخ دماغه وتكسر رأسه وتلقيه، كأنهم أعجاز نخل منقعر، وقد كانوا تحصنوا في الجبال والكهوف والمغارات، وحفروا لهم في الأرض إلى أنصافهم، فلم يغن عنهم ذلك من أمر الله شيئا ﴿إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ﴾ [نوح: ٧١] ولهذا قال تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ﴾ الآية.

[[سورة الشعراء (٢٦): الآيات ١٤١ إلى ١٤٥]]

﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٤٥)

وهذا إخبار من الله ﷿ عن عبده ورسوله صالح ، أنه بعثه إلى قومه ثمود، وكانوا عربا يسكنون مدينة الحجر التي بين وادي القرى وبلاد الشام، ومساكنهم معروفة مشهورة، وقد قدمنا في سورة الأعراف الأحاديث المروية في مرور رسول الله بهم حين أراد غزو الشام، فوصل إلى تبوك ثم عاد إلى المدينة ليتأهب لذلك، وكانوا بعد عاد وقبل الخليل . فدعاهم نبيهم صالح إلى الله ﷿ أن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن

<<  <  ج: ص:  >  >>